بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح الأحد 12 ذي الحجة 1430هـ الموافق 29 نوفمبر 2009م، تُوفي الإمام غالب بن علي الهنائي، آخرُ إمامٍ عُماني.
نبذة عن هذه الشخصية السياسية والتاريخية:
الإمام غالب بن علي الهنائي (رحمه الله)، لاجئ سياسي بالمملكة العربية السعودية، عقد له بالإمامة بعد وفاة الإمام محمد بن عبد الله الخليلي في نزوى (سنة 1373هـ/ 1953م)، وكان عمره (45 سنة) تقريبا سار على سيرة السابقين، في الورع والتقوى والعدل ونشر الأمن، وكان يهدف للانفتاح مع دول العالم ليواكب التقدم والتطور، وبدأ يبعث الطلاب للدراسة خارج عُمان، مع البقاء على الثوابت الشرعية، ولكن الأمر لم يطل حتى حصلت تغيرات جذرية في عُمان خاصة، ومنطقة الخليج عامة، بسبب ظهور النفط، وهنا بدأت بريطانيا تخطط للقضاء على الإمامة التي استمرت من بداية القرن الأول الهجري، بهجوم القوات البريطانية بمساعدة سلطان مسقط سعيد بن تيمور ضد الإمامة، واحتلالها لعبري والعاصمة نزوى سنة 1954 - 1955، لتستمر الحرب الطاحنة حتى سنة 1958م، لتنتهي باحتلال شامل على مراكز الإمامة.
وتتابعت الثورات حتى 1964م بقيادة الإمام وشقيقه، وكان الشيخ الزعيم طالب الهنائي، شقيق الإمام غالب، الممثل الرسمي للإمامة في جامعة الدول العربية لحل القضية وبدون جدوى، وانتهى الأمر بالإمام لاجئا سياسيا هو وشقيقه طالب، حيث توفي الشيخ طالب في أوائل الثمانينيات.
وكان الشيخ طالب صلبا في الحق، قوي الشخصية. ترك أبناء بررة يحتلون مناصب هامة في حكومة السلطان قابوس سلطان عمان، وبقي الإمام غالب ليعيش بقية عمره في المنطقة الشرقية (الدّمام) من المملكة العربية السعودية إلى هذا التاريخ 1430هـ/2009م.
نتقدم بخالص العزاء للأخ الصديق الدكتور المهندس الشيخ الخطاب بن غالب بن علي الهنائي و الأخ المهندس الشيخ الوضاح بن طالب بن علي الهنائي و الأخ الشيخ محمد بن طالب بن علي الهنائي و الأخ المكرم الدكتور الشيخ علي بن طالب بن علي الهنائي وكافة إخوتهم في سلطنة عمان و دولة الإمارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية في مصابهم الجلل... بل مصاب عمان جميعها... و نسأل الله أن يلهمهم و ذويهم الصبر والسلوان، وأن يتغمد فقيد عمان واسع رحمته و مغفرته... {إنا لله و إنا إليه راجعون}.
صور الإمام غالب بن علي الهنائي "رحمة الله"
الأمير سليمان بن حمير يصافح جمال عبد الناصر وبجانبه الإمام غالب بن علي طيب الله ثراه.. في الخمسينيات
الشيخ طالب بن علي الهنائي شقيق الإمام غالب و أحد أركان دولته مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في الخمسينيات وبجانبهما الشيخ العلامة أبو إسحاق إبراهيم اطفيش، الناطق الرسمي عن الإمامة لدى الأمم المتحدة
__________________
سواطع البرهان
نسبه:
الإمام غالب بن علي الهنائي
مولده:
ولد الإمام غالب بين الأعوام 1908 و1912 حسب المصادر التاريخية المتوفرة، ولا يحضرني الآن تاريخ مولده الفعلي.
حياته:
نشأ في عائلة علم وورع ومشيخة.
توليه الحكم:
بعد وفاة الإمام محمد بن عبد الله الخليلي - رحمه الله- تم اختيار الإمام غالب بن علي الهنائي - رحمه الله - لخلافة الإمامة في عمان الداخل، وذلك بعد تقسيم عمان فعليا بموجب اتفاقية السيب المبرمة بين سلطان مسقط وإمامة عمان، وكان ذلك في عام 1953ميلادي.
ولكن الأوضاع السياسية لم تكن هادئة، وكانت متوترة بين الحكومتين الندين في عمان في ذلك الوقت، فزادت المناوشات بين السلطان سعيد بن تيمور وبين الإمام غالب رحمه الله، مما أدى في النهاية إلى الصدام المسلح الكبير - وليس هذا مجالا لذكره بالتفصيل - فقد استعان السلطان سعيد بن تيمور بالقوات البريطانية، وتوجه الإمام غالب رحمه الله إلى إخوانه العرب لدعمه، فدعمته بالمال والسلاح رسميا كلٌّ من العراق والسعودية ومصر، وقد كان التقسيم على الآتي: العراق لتدريب المجاهدين في الصفوف الأمامية، أو ما يسمى الآن بالاستشهاديين أو الفرق الخاصة، أما مصر جمال عبد الناصر فقد كانت تدرب المشاة والجيش بشكل عام، وكانت السعودية الحاضنة السياسية لتحركات الإمام الدبلوماسية.
وقد صدرت عدة قرارات من الأمم المتحدة أو ما يسمى بعصبة الأمم في هذه الحرب كانت كلها في صالح الإمام غالب رحمه الله.
ولكن بما أن قوات السلطان سعيد كانت مدعومة دعما كاملا وشاملا بالسلاح والعتاد والرجال والطائرات والبارجات الحربية، وكانت مقدرتهم القتالية عالية جدا بالمقارنة مع قوات الإمام التي لم تكن قوات نظامية، وإنما قوات قبائلية غير مدربة، لا تملك من الأسلحة والعتاد إلا الأسلحة الخفيفة، فقد هُزم الإمام ولجأ لجوءًا سياسيا في نهاية المطاف إلى السعودية، ولم يرض بأن يتنازل عن حقه الشرعي في الإمامة، ولكن الناس قد خذلوه. وعاش حياته هنالك مناضلا.
ولكن علينا أن ننسى تلك الحقبة بما جالت به من الويلات على عمان، وأن نستخلص منها العبر لا أن ننساها برمتها، وإنما ننسى ما كان فيها من أحقاد وأحداث مؤسفة، ونستخلص العبر مثلما أسلفنا، وأن نحترم رموزها وشخوصها بما لا يجرح شعور أي طرف من الأطراف، وبما يحقق الاستقرار لبلدنا الحبيب عمان.
حتى هيأ الله لعمان ابنا بارا بها هو السلطان قابوس - حفظه الله ورعاه وأدامه ذخرا لعمان - فكان بحنكته السياسية أن أدخل عمان في حقبة نهضوية بعد عزل أبيه وتوليه الحكم، فاسترضى ذلك القبائل العمانية وقيادات الداخل، وأصبح بذلك الحاكم الفعلي لمسقط وعمان ووحدها في سلطنة عمان، وما نراه الآن هو بفضل الله ونتاج حكمة وحنكة السلطان قابوس في بث مبدأ العدل والمساواة بين الجميع، وتهيئة الدولة للتقدم والازدهار.
وكان الإمام غالب - رحمه الله - يراقب الأوضاع العمانية أيضا بحكمة وروية، فبعد تولي السلطان قابوس حفظه الله للحكم لم يسجل للإمام غالب - رحمه الله- أن قام بأي معارضه تذكر، وذلك لإيمانه التام بأن الهدف الأول والأخير هو استقرار الأقطار وازدهار الأنفار بما يخدم هذا الدين. وهذا يحسب للإمام غالب رحمة الله عليه.
عاش رحمه الله في مدينة الدمام لاجئا سياسيا، وليس منفيا، بعد تعذر رجوعه إلى عمان، وقد واصل العمانيون زيارته، سواء في أثناء الذهاب لأداء مناسك الحج أو العمرة أو زيارات خاصة.
---------------------------
تصحيح بعض التواريخ
تولي الإمام غالب بن علي الهنائي الإمامة كان في 29 شعبان 1373هـ الموافق 3 مايو 1954م. وكان عمره يومئذ 36 عامًا، وكان يعمل قاضيًا للإمام محمد بن عبد الله الخليلي في الرستاق.
قبل وفاة الإمام محمد بن عبد الله الخليلي اجتمع مع أهل الحل والعقد من العلماء (الأباضية) وطلب منهم ترشيح خليفة من بعده، وقد رشحوا أسماء كثيرة أهمها:
1- الشيخ عبد الله بن سالم بن راشد الخروصي.
2- الشيخ سيف بن راشد المعولي.
3- القاضي غالب بن علي الهنائي.
وقد تم عرض الأسماء على العلماء، وقد طبق عليهم معيار الجرح والتعديل، ولم يقبل منهم إلا القاضي غالب بن علي الهنائي، حيث كتب الإمام وصيته.
وقد خالف بهذا منهج الإباضية في اختيار الحاكم، ولكنة أخذ بما فعله خليفة المسلمين الأول أبو بكر الصديق عندما عين عمر بن الخطاب خليفة من بعده، وذلك بسبب خوف الإمام من الفتنة أن تحدث من بعده، وتم الاتفاق على الأمر بحضور كل من:
1- الشيخ سفيان بن محمد الراشدي.
2- الشيخ منصور بن ناصر الفارسي.
3- الشيخ سعيد بن بن ناصر السيفي.
4- الشيخ زاهر بن عابر العثماني.
5- الشيخ سليمان بن حمير النبهاني (شيخ الجبل الأخضر).
6- الشيخ صالح بن عيسى الحارثي (شيخ الحرث).
بوجود معارضة من الشيخ (أحمد بن محمد الحارثي).
وبعد ذلك تمت مبايعة الإمام غالب عليه رحمة الله.
العلماء الذين بايعوا الإمام:
1- الشيخ عبد الله ابن الإمام سالم بن راشد الخروصي.
2- الشيخ منصور بن ناصر الفارسي.
3- الشيخ سعيد بن ناصر السيفي.
4- الشيخ مالك بن محمد العبري.
5- الشيخ محمد بن سالم الرقيشي.
6- الشيخ سعود بن سليمان الكندي.
7- الشيخ إبراهيم بن محمد الرقيشي.
8- الشيخ زاهر بن عبد الله العثماني.
9- الشيخ سالم بن محمد الحارثي.
10- الشيخ علي بن ناصر الغسيني.
11- الشيخ محمد بن راشد الحبسي.
12- الشيخ خالد بن مهنا البطاشي.
13- الشيخ أحمد بن ناصر البوسعيدي.
14- الشيخ صالح بن عيسى الحارثي (شيخ الحرث).
أرجو أن أكون قد أضفت ولو الشيء القليل.
-------------------
إضافة
كانا والده الإمام علي بن هلال بن زاهر الهنائي في الرستاق قاضيا. وكان الإمام غالب بن علي الهنائي قاضيا في بهلى، حتى والده تضايق لما علم عن ابنه أنه نصب إمامًا لأنه خشي من الانقسام في قبيلة بني هناء؛ لأنه يوجد ابن عمومتهم في الغافات، وكان الإمام ليس له الرغبة في الإمامة بسبب احترامه لوالده وابن عمومته، ولكن الإمام الخليلي أجبره على المبايعة عندما وجد فيه المواصفات لحمل الإمامة، لدرجة سجنه وهدده بإعدامه إن لم يوافق.
-------------------
إضافة
عندي معلومة أن السلطان وجه إليه أكثر من دعوة للعودة للبلاد لكنه رفض، ويقال إنه اشترط شروطا خافت الحكومة انتشار الفتنة بها.
وأيضا هناك من يقول: إنه زار السلطنة في أواخر الثمانينيات، والله أعلم.
هذا ما سمعته من مناقشات الشياب الذين زاروه من سنتين تقريبا في السعودية
وليست لدي أي تأكيد عليها
-------------------
إضافة
حسب ما أخبرني به أثناء زيارتي له مع أنه كان متقدما في العمر وقليل السمع أنه بعد أن تولى جلالة السلطان قابوس - حفظه الله ورعاه - الحكم في عمان عقدت جلسة صلح هناك في الرياض بحضور ثلاثي: السلطان قابوس، والملك عبد العزيز، والإمام غالب، وقد انتهت باختلافات بينهم، بعدها لم تقم أية مصلحة أو اجتماعات، بل كانت تلك المخاطبة التي وجهها صاحب الجلالة لهم بالعودة إلى أرض الوطن متى ما رغبوا في ذلك.
ولكن بعد استقرار الأوضاع في عمان فضل الإمام أن يستقر بالدمام برغم الحنين للوطن ولم يتدخل في أي حركات تنظيمية، وكما ذكر هناك طارح الموضوع بأن الإمام كان حريصا على تقدم وازدهار عمان، ولما رآها تسمو إلى الأعلى بقيادة حكيمة بفضل جلالة السلطان لم يحرك ساكنا، فهو لم يكن يصبو إلى الحكم بقدر ما كان يصبو إلى رفع العلم في عمان وانتشالها من براثين الجهل.
رحمه الله واسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان.