الفصل الثالث نماذج من فكره ونتاجه العلمي
سأعرض في هذا الفصل نماذج من فكر الشيح البطاشي ونتاجه العلمي الذي أثرى به المكتبة الإسلامية وسأجعله وفق الخطة الآتية:
المبحث الأول: نماذج من أحكامه
المبحث الثاني: نماذج من فتاواه
المبحث الثالث: نماذج من قصائده
المبحث الرابع: نماذج من مراسلاته
المبحث الخامس: نماذج من وصاياه
المبحث السادس: نماذج من اجتهاداته
المبحث الأول: نماذج من أحكامه
زخرت السنوات التي قضاها شيخنا البطاشي رحمه الله متربعا على دست القضاء بالكثير من الأحداث والقضايا والنزاعات الأسرية والقبلية وكانت أحكامه صورة حية للفقه الذي يعتمد المصلحة ورفع الضرر ويستأنس بالأثر والخبر ولا يتجاهل الواقع المتغير والحياة المتجددة لذا نالت رضا الخصوم وكانت قاطعة للخلاف حاسمة لمادته.
ومن نماذج هذه الأحكام هذا الحكم الذي فصل فيه بين أهل الغبرة وأهل سوط من وادي الطائيين في القضية التي رفعها أهل الغبرة على أهل سوط مدعين فيها وقوع الضرر على فلجهم نتيجة تصريج أهل سوط لفلجهم من بطن الوادي.
بسم الله الرحمن الرحيم
في اليوم الأول من شهر صفر سنة 1407 ه وصلنا وادي الطائيين للنظر في الدعاوى المستأنفة ومنها الدعاوى القائمة بين أهل الغبرة وأهل سوط من وادي الطائيين التي ادعى أهل الغبرة فيها أن أهل سوط يحاولون تصريج فلج البلاد من سوط في بطن الوادي وأن هذا التصريج يضر بفلج الغبرة لأن الفلجين من واد واحد ومجراهما واحد وأجاب أهل سوط قائلين: إن الفلجين بينهما مسافة بعيدة وبينهما فلجان آخران هما فلج الأشخر لبني بطاش وفلج المرة للسوطيين وأن أهل وادي الطائيين لا زالوا يصرجون أفلاجهم في بطون الأودية ولم يقع إنكار من بعضهم على بعض وذلك أمر مشاهد فقد صارت سنة قديمة.
هذا قول هؤلاء وأولئك وقفنا على مكان الدعوى وتأملنا موضع النزاع ورأينا المكان الذي يحاول أهل سوط وضع الصاروج فيه وقسنا مسافة ما بين الفلجين فإذا هي مقدار اثني عشر ألف ذراع أو أزيد فرأينا إحالة هذه القضية إلى الأثر وإلى النظر فنقول: إن الموجود في أثر الأصحاب رحمهم الله أن الفسح عن الأفلاج لمن يريد إحداث فلج أو بئر قرب فلج سابق قيل: خمسمائة ذراع وقيل: ثلاثمائة ذراع وقيل: مائتا ذراع وقيل: أقل من ذلك وقيل: حتى تصح المضرة.
قال موسى بن علي: لا يمنع أحد عن الحدث حتى يعلم أنه حدث ينقص النهر أو البئر.
وهذا في أحداث فلج قرب فلج والصاروج لا شك أنه أقل ضررا من ذلك.
وقال الصبحي في أفلاج مخرجها من واد واحد وبعضها أسفل من بعض مثل أفلاج سمائل أراد أهل فلج تصريج ساقيتهم من حد معقد الفلج هابطا إلى أموالهم فأنكر عليهم أرباب الفلج الأسفل وادعوا أن ذلك يضر بفلجهم ما الحكم؟.
قال: إني لم أحفظ في هذا شيئا وأرى الصاروج مباحا في الأفلاج بإذن أربابها إلا أن تمنع من ذلك حجة أو تحجره سنة متقدمة أو تبين على أهل الأفلاج مضرة. هذا نص وملخص ما في الأثر.
والذي نقوله: إن مثل هذه المسائل لم يرد فيها نص من كتاب نعلمه ولا من سنة إنما أخذت من قوله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام فالعلماء الذين قالوا بالتحديد بالذرع إنما اعتبروا المضرة فمنهم من رأى أن بعد المائتين لا يكون ضررا ومنهم من رأى بعد الثلاثمائة ومنهم من رأى بعد الخمسمائة إلى غير ذلك وربما إن البقاع تختلف وكل قائل بقول اعتبر الضرر بحسب المكان.
ومن العلماء من اعتبر المضرة ولم يعتبر الذرع ومنهم من اعتبر الذرع ولم يعتبر المضرة بعد الذرع كمسألة فلج الفيقين وفلج ابن عمر فإنهم لم يعتبروا مضرة فلج ابن عمر لأنها بعد الفسح الشرعي ولعل قائل هذا القول اعتمد على أن المضرة يمكن وقوعها بسب آخر ولكل قائل رأيه لكن الذي نقوله ونراه في هذه المسائل: هو اعتبار المضرة فقط إذ ليس لأحد أن يصلح نفسه بمضرة غيره وهو الذي يرشد إليه الحديث.
ثم إن مجاري المياه في الأرض تختلف فمنها ما تكون المضرة فيه بأبعد من الذرع المذكور ومنها ما لا تكون فيه مضرة ولو في عشرة أذرع فلأجل ذلك ينبغي أن يعول على حدوث المضرة.
والذي نقوله في فلج سوط وتصريجه: إنا لا نقوى على منع الصاروج لأن المسافة بين الفلجين بعيدة جدا وبين فلج سوط وفلج الغبرة فلجان آخران فحصول المضرة على الفلج الثالث بعد اثني عشر ألف ذراع مستبعدة في العقل فإن أهل سوط لو لم يصرجوا فلجهم وجعلوا في بطنه المدر مثلا فما يكون مقدار الماء الذي يتسرب من المدر ويقطع هذه المسافة ويتجاوز فلجين حتى ينصب في الثالث والساقية عرضها مقدار ذراع ونصف وعرض الوادي أزيد من ثلاثمائة ذراع والماء متفرق في عرض الوادي هذا شيء يستغربه العقل ولا يقبله.
وأيضا فإن أفلاج وادي الطائيين أغلبها أفلاج خصب كهذين الفلجين فإذا جاء الخصب وكثر الماء جرت الأفلاج وإذا انقطع الخصب يبست الأفلاج هذا أمر واقع مرارا فلا تقاس هذه الأفلاج على أفلاج سمائل لأمور منها: بعد المسافة وأفلاج سمائل متقاربة ومنها: أن أفلاج سمائل عد وثوابت وهذه أفلاج خصب ومنها: أن وادي سمائل واد غير واسع كوادي الطائيين وماؤه مجتمع في مكان واحد ووادي الطائيين واسع جدا والماء متفرق في باطنه غير مقصور على الذي يأخذه ممر الساقية وبطن الوادي حصى صغار دقيق ورمل له عمق كثير فإذا جاء الخصب طفا الماء فوق ظهر الوادي وإذا تباعد السيل نزل الماء إلى أسفل وإذا طال المحل يبس أصلا لذلك لا يتأثر بالصاروج إنما يتأثر بالمحل ولا يمكن قياس الأفلاج بعضها على بعض ولا قياس المواضع على بعضها بعضا لكنا مع إباحة التصريج لأهل سوط نشرط عليهم أن لا يعمقوا الساقية وأن لا يعترضوا بها الوادي بل يمضون بحافة الوادي فإن أرادوا عطفها حيث منبع الماء فبغير الصاروج بل بما كان عليه الحال من الطين والمدر ومع ذلك نستثني المضرة فإن وقعت مضرة بأهل الأفلاج السفلى فالضرر مزال.
وقد وجدنا أهل وادي الطائيين يصرجون أفلاجهم في بطن الوادي من قديم ولم يقع إنكار إنما وقع الإنكار في هذا الزمان فقط لما كثر التحاسد فكان ذلك سنة لديهم ولو ساغ لأهل الغبرة إنكارهم تصريج أهل سوط لساغ لأهل المزارع منع أهل الغبرة من ذلك لأن الماء من الغبرة إلى المزارع متصل غير منقطع هذا ما توصلنا إليه في هذه القضية والله الموفق لإصابة الحق ولا حول ولا قوة إلا بالله. محمد بن شامس.
وله رحمه الله هذا التعقيب على حكم قضاة الاستئناف في قضية حكم فيها عدة قضاة في فترات زمنية متفاوتة.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد فقد وقفت على الحكم الذي حكم به المشايخ احمد بن ناصر وسالم بن محمد واحمد بن ناصر قضاة الاستئناف حول النزاع القائم بموضع مخيسرات من ناحية قريات وهذه الدعوى قد قدمت إلينا بالعام الماضي أنا والشيخ إبراهيم بن سيف الكندي وكان قد حكم فيها المشايخ إبراهيم بن سعيد العبري وسعيد بن احمد الكندي وهاشم بن عيسى ومحمد بن راشد بن عزيز من مدة سنوات وقد سبق وان حكم فيها الشيخ سعود بن سليمان بن محمد الكندي وقد تصفحنا ما حكم به القضاة المذكورون فرأيناه حكما صحيحا مطابقا للحق وموافقا لأصول الأحكام الشرعية وهو أن للمشارفة بيوتهم ونخيلهم وآبارهم وقد ذهبنا إلى هذا المكان ورأينا الآبار والنخيل والبيوت ومن حيث إن مخيسرات بلاد للمشارفة وكانت عامرة بالنخيل والمزارع في القديم والأطوى متصلة بها من أعلاها إلى أسفلها ثم خربت بطول السنين وعدم العمارة ونسفتها الرياح وسفت عليها الرمال فانطمست معالمها وعفت رسومها وبقيت فيها بعض النخيل في بعض الأطوى وبعض الأطوى قد اندفنت بالرمال شأن كل بلاد يتركها أهلها لكنها بقيت بيد أهلها يستغلون النخيل الموجودة ويبيعون أصولها والأشجار منها وكل احد يعرف ماله ويقطعون منها الأشجار وفيها صكوك شرعية قديمة وجديدة بخطوط معتبرة فأثبتنا ما حكم به المشايخ المذكورون لما تبين لنا صوابه.
ثم جاء الآن هؤلاء المشايخ احمد بن ناصر واحمد ناصر وسالم بن محمد فكتبوا حول هذه الأحكام كلاما ينقض آخره أوله فإنهم قالوا أولا: إن ما حكم به القضاة السابقون حكم ثابت وليتهم اقتصروا على هذه الكلمة وأراحوا أنفسهم وجعلوا العهدة على غيرهم وليتهم إذ أحبوا التثبت في أمرهم سألوا من حكم قبلهم عن جلية هذه الدعوى فليس الخبر كالعيان وما راء كمن سمعا لكنهم لم يأتوا شيئا من ذلك بل قالوا: أما الأملاك التي يدعونها أي المشارفة ملكا غير ذلك وهي فلاة واسعة ليس عليها آثار عمارة ولا إحياء فلا يصح تملكها لأحد من الفريقين إلى آخر ما قالوه.
وفي حقيقة الأمر كذلك أن الموات الذي لم تسبق إليه يد لا يصح تملكه لأحد وهو مرفق لأهل البلد لكن ليتهم ميزوا الموات من العمار وحددوا للمشارفة ما حكموا لهم به فإن الشجار والخصام الطويل في هذه الدعوى لم يقع إلا على التحديد وقد حاول قضاة المحكمة الشرعية بعد ما حكموا أن يذهبوا للتحديد لكن لم يتفق لهم في ذلك العهد فبهذه اللفظة التي كتبها قضاة الاستئناف الآن زاد الشجار وتعقدت الأمور ومنع المشارفة من أرضهم بادعاء أنها فلاة وهل يصح أن يحكم بها أنها فلاة وقد تخللتها الأطوى من أولها إلى آخرها فكم من الأفلاج بعمان كانت عامرة بالنخيل والأشجار فذهبت عمارتها إما بترك أهلها لها إما بمحل أصابها أو خوف فأصبحت فلاة مع أنها معروفة بحدودها فهل يصح أن يحكم بها أنها موات اللهم إلا إن جهل أربابها لطول السنين فيحكم بها أنها من مجهول الأرباب الذي مصيره للفقراء أو لبيت المال أو فلا يحكم بها أنها موات مباح لكل احد فإن للموات والفلاة حكما وللأموال المجهولة حكما آخر.
ولو قدرنا أن بين الأطوى مواتا فإن حكمه حكم الموات بين العمرانين لا يحكم به أنه فلاة وهو في وسط البلاد ثم إن الموات الخارج من العمارة حكمه مع المسلمين أنه مرافق لأهل البلد ما وطئه خفهم وحافرهم.
ثم إنهم كتبوا: أما الأوراق التي بيد الطرفين غير معتبرة شرعا لأنها في بيع الفلوات وإعطائها.
فليت شعري ما أدراهم بذلك وما الذي أقدمهم على إبطال صكوك شرعية فهل وقفوا على الأرض التي تنص عليها الأوراق حتى يحكموا أنها فلاة.
هل يصح أن يحكم على أرض فيها آبار متتالية هذه لفلان وهذه لفلان أنها فلاة؟.
وبالجملة فإن المشارفة راضون بما حكم به هؤلاء المشايخ وقد وضعوا هذه القضية على عواتقهم لكنهم يطلبون أن يعرفوهم ما هو لهم وما هو فلاة فلا تنحل هذه المشكلة إلا بذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله. كتبه محمد بن شامس.
المبحث الثاني: نماذج من فتاواه
تتعدد الفتاوى عند الشيخ البطاشي رحمه الله وتتنوع بتنوع العلوم التي برع فيها فهناك الفتوى الفقهية والدينية عموما وهذا النوع هو جل فتاوى الشيخ وأكثرها شيوعا وهناك فتاوى تتعلق بالمجتمع والحياة العامة وتاريخ الأمة وكل ما لا يندرج تحت مسمى العلوم الدينية وسأضرب مثالا على كل نوع:
أولا: الفتوى الدينية
من أمثلة جوابات الشيخ الفقهية جوابه على أسئلة بعض شيوخ عمان وقد بعث له برسالة تضم اثني عشر سؤالا أكتفي هنا بإيراد جوابه على السؤالين الأوليين منها.
الجواب عن السؤال الأول: أما ما استحله العمانيون من استرقاق الأفراد الإفريقيين واستعبادهم فسبب ذلك الكفر وكونهم مشركين لا دين لهم أصلا لذلك حل استعبادهم وشراء ما باعه ملوكهم منهم ولو باع أب أولاده على قول لحل شراؤهم منه وكذلك لو باع الرجل زوجته على قول أيضا وقيل: انه حل للمسلمين استعبادهم ولو يأخذونهم باختطاف وسرقة والحكمة في ذلك جرهم إلى الإسلام.
وبعضهم أجاز شراء أولادهم منهم في زمن المجاعة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ولد الرجل من كسبه وأحل ما يأكل الرجل من كسبه.
وأما ما جلبه البلوش في الآونة الأخيرة من أطراف مكران وإيران إلى عمان واستحل العمانيون شراءهم فأظن أن البلوش كان لهم عبيد معروفون والذين جلبوهم إلى عمان ادعوا أنهم عبيدهم والمجلوبون لم يدعوا الحرية وقد اشترى العمانيون منهم جملة وكنت في ذلك الزمان واليا للإمام الخليلي رحمه الله على وادي سمائل أي في سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وألف هجرية والبلوش يمرون بهم جماعات وأفرادا يبيعونهم في أنحاء عمان ومن جملتهم امرأة بيعت بنزوى واشترتها زوجة الإمام رحمه الله وبقيت أمة في بيت الإمام.
والجواب عن السؤال الثاني إن هذه المسألة جرى فيها نقاش وبحث فمن لم يرى فيها الزكاة يقول إن هذه قراطيس وليست من نوع ما وردت فيه الزكاة وهو النقدان والأنعام والحبوب الستة ومن يرى فيها الزكاة يقول إن هذه القراطيس أودعت أموالا وهي الذهب والفضة وحلت محل النقدين وقد جرت معاملة الناس بها وأخذوها وأعطوها في مقابلة النقدين واستباحوا بها فروج النساء وأخذوها عوضا عن النفوس والجراحات وأبرؤوا بها الذمم للشغولة بالنقدين فلذلك أوجبوا فيها الزكاة.
وممن قال بذلك نور الدين رحمه الله في جواباته قال: إن النوط بمنزلة الأوراق لأن الحق الذي فيها بمنزلة المدخر يأخذه صاحبه متى أراده فلا محيد عن الزكاة.
وقال سابق في فقه السنة: أوراق البنوك والمستندات هي وثائق بديون مضمونة تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب.
وما ذكرته من أن هذه الأوراق معرضة للضياع وأنها ليست من الأموال المدخرة كحالة النقدين وأنها تنهار بالحوادث كحالة صرف الألمان في إفريقيا عند احتلال الانجليز لها في الحرب العظمى الأولى فإنها ذهبت رأسا ولم تنفعهم بل أضرتهم وكحالة أزمة الخليج في العام الماضي حيث انهار صرف الكويت وصار غير مقبول ولا قيمة له فهذا له وجه من جهة النظر ولكن يقال إن هذه العملة ما دامت جارية والتعامل به ماض فلا محيد عن الزكاة وإذا انهارت وصارت غير مقبولة فقد ذهبت هي وزكاتها وذلك أمر أراده الله وماذا يقال الآن وقد أصبحت الأموال كلها في هذه الأوراق والأخذ والعطاء بها والأكل والشرب والمعاملات فحقوق الله ثابتة فيها تظهر بظهورها وتنعدم بانعدامها والزكاة حق للفقير في مال الغني وهذه الأوراق هي مال الأغنياء الآن فحق الفقراء لازم فيها وهل الذهب والفضة إلا أحجار ولكن لما صارت هي الأموال أوجب الشارع فيها الزكاة.
وهذه الأوراق لما قامت مقام الذهب والفضة في كل شيء وجب أن يجري عليهما حكم الذهب والفضة وليس لكونها أموالا فحسب على أن القياس الذي ذكره نور الدين من أن هذه الأنواط تقاس على الأوراق المتضمنة للحقوق فيه نظر فان الحقوق المكتوبة في الأوراق هي نفس الذهب والفضة وجعلت الأوراق لحفظها وهذه الأوراق المسماة بالأنواط هي نفس الأموال ولكن من حيث إن العلة الموجبة للزكاة في النقدين هي المال الذي تضمنه الذهب والفضة فهو موجود في هذه الأنواط أيضا. والله أعلم.
ثانيا: الفتوى العامة:
من جملة فتاوى الشيخ العامة هذا الجواب الذي رد به على بعض السائلين عن الحروب والفتن الداخلية وعن انقسام أهل عمان إلى هناوي وغافري وما ترتب على ذلك الانقسام.
اعلم أن الحروب الكائنة بين قبائل عمان إنما منشؤها افتراق أهل عمان إلى غافري وهناوي بعد انتهاء دولة اليعاربة ولما تولى الإمام احمد بن سعيد ضبط أمور عمان وسكن الحركات ولما تولى الأمر بعده ولده سعيد بدأت الخلافات تدب منها الخلاف الكائن بينه والعبريين لأنهم اتهموه بميله إلى الهناوية ولما قام عليه أخوه سلطان بن الإمام والشيخ جاعد بن خميس تعصب له بنو رواحة بزعمهم أن الشيخ جاعد وسلطان بن الإمام من حزب الغافرية.
ثم بعد ذلك شبت الحروب بين الغافرية والهناوية منها حرب الجنبة وعيسى بن صالح الأول وحروب جعلان وحروب الظاهرة ومنها الحروب الكائنة في وادي سمائل بين بني بطاش وبني جابر وبني ريام.
ولما اشتغل السلطان سعيد بن سلطان بحروب السواحل اشتعلت الحروب بعمان في الشرقية والغربية بين بني بو علي وبني بو حسن وبين الجنبة وآل وهيبة وبين الحرث والهشم وبين الحرث والمساكرة إلى أن تولى الأمر الإمام عزان فسكن الحروب الداخلية ومن بعده شبت الحروب من قطر وإلى ظفار بدعوى الهناوية والغافرية حتى قام الإمام سالم بن راشد والشيخ السالمي فأصلحا الحروب الكائنة بين بني رواحة وبني ريام وبين بني رواحة وبني جابر وبين بني رواحة والعوامر وبين الحرث والمساكرة وسفالة نزوى وعلايتها وبني هناءة وبني شكيل وبقيت الحروب الجعلانية وحروب الظاهرة وحروب الشمال.
ولما بويع الإمام الخليلي واتحد الحال بينه وحكام مسقط سكنت الحروب الشرقية رأسا وبقيت حروب الشمال بين بني ياس وحدهم وبينهم والقواسم وبين القواسم والشرقيين حتى وضعت بريطانيا قدمها في الخليج فهدأت الحروب ولما أن تولى السلطان قابوس زمام الأمور هدأت الحركات في عمان تماما وفي المنطقة الجنوبية وبقيت الغافرية والهناوية كامنة في الحناجر ولا نفاذ لها واستراح الناس فلا تسمع دوي بندق ولا تنظر زحف جيش بين قبيلتين فالحمد لله على الأمان.
المبحث الثالث: نماذج من قصائده
اخترت هذه القصيدة من ديوانه لتكون أنموذجا على شعره والقصيدة مشحونة بالمعاني الإيمانية والدلالات الروحانية.
الله لا رب لا معبود إلا هو **** تقدست وتعالت جل أسماه
يا جاهلا غافلا عما يراد به **** يوم القيام وما في الحشر يلقاه
لا تنس يوم يفر المرء من أبه **** ومن بنيه وأم عاش ترعاه
لا تنس يوما به يرمى بحفرته **** رهين أعماله والقبر مثواه
إذ سل من بين أبناه وعترته **** بالرغم والبوس يغشاهم ويغشاه
يساق سوقا لبيت موحش ذهلت **** له القلوب متى عاينت مرآه
فلا أنيس ولا جار ولا رحم **** ولا قريب يرجى عطف قرباه
ينتابه الويل والأهوال محدقة **** به وللدود وقع بين أحشاه
حيث العقارب والحيات حائلة **** في بطنه وتراقيه وأمعاه
حتى إذا ما منادي الحشر أزعجه **** من قبره وليوم البعث ناداه
وسيق للموقف المشهود معتقلا **** والهول عن يمنة ياتي ويسراه
يوم تشيب له الولدان من وجل **** ما كان أفظع والجبار مرآه
ويل لمن كان ذاك اليوم مرتهنا **** بما جناه ألا قد خاب مسعاه
ويل لمن كان قد يوتى صحيفته **** من الشمال ومن قد غل يمناه
وصار في غضب الجبار تسحبه **** ملائك وإلى النيران مأواه
نار الجحيم ألا قد خاب ساكنها **** فحسبه نقمة أن يغضب الله
لا شيء أعظم من أن يغضب الله **** ويرفعن عطفه عنه ورحماه
سوداء مظلمة لا راحة أبدا **** لجارها لا ولا موت فيغشاه
من فوقهم ظلل من تحتهم ظلل **** من العذاب وأمر هال مرآه
فلا خروج ولا موت ولا أمل **** حزن طويل وويل جل مثواه
يا أيها الغافل اللاهي بلذته **** وراك يوم ثقيل سوف تلقاه
إن الفجور له حد سيقطعه **** وما العذاب له حد عرفناه
المبحث الرابع: نماذج من مراسلاته
لا يكاد يمر يوم على الشيخ رحمه الله إلا وله فيه رسالة وأكثر مواضيع هذه الرسائل يتعلق بقضايا الناس ومشكلاتهم ولكن توجد هناك مراسلات علمية من داخل البلاد وخارجها اذكر منها هذه الرسالة من الجزائر التي يسأل فيها صاحبها عن الرؤيا المنامية التي رآها الشيخ بمكة سنة 1366هـ وجاء فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه سيدنا محمد وآله، أخي في الله شيخنا الجليل الورع محمد بن شامس البطاشي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحييكم تحية يحملها النسيم من وادي ميزاب الذي تربطه بعمان جسور المودة والأخوة في الله على مذهب أهل الحق والاستقامة.. تحية عطرة ملؤها الشوق..... وبعد:
فقد سمعت عن رؤيا رأيتموها في المنام ومفادها أنكم رأيتم أهوال اليوم الآخر وما فيه من مواقف ترتجف لها القلوب ومراحل يعبرها الإنسان من بعث وحساب إلى أن يستقر في قرار، فما بعد القبر دار إلا الجنة أو النار...... وأنقل لك هنا ما سمعت أنك قلته:
"...... وجدت نفسي في فريق أهل الجنة فحمدت الله على ذلك...... ثم نادى مناد من قِبل الله: يا أهل السنة ادخلوا الجنّة... فقلت:-حيث ظننت أنّ المقصود بالسنّة المذاهب الأربعة - يا رب... والاباضية؟؟ فأجابَ منادٍ من قِبل الله: هم السابقون، مجّدوني عظّموني، قدّسوني، نزّهوني. " انتهت الرؤيا.
فما مدى هذا الخبر من الصحة؟ وإذا كان ذلك حقًا فما تأويل هذه الرؤيا؟.
لقد استشهد أحد المشايخ بهذه الرؤيا ونسبها إلى سماحتكم عندما تعرّض لتفسير قوله تعالى: والسابقون السابقون أولئك المقربون......... الخ.
هذا بعض ما ورد في هذه الرسالة فأجابه الشيخ بجواب جاء فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه والتابعين قصده إلى حضرة الشيخ المحترم داود بن إبراهيم بو سنان - قسنطينة الجزائر حماها الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كتابكم الكريم وصلني وأشكركم على المواصلة وبحثكم عن الرؤيا التي رأيتها.
فحقيقة الرؤيا أني رأيت القيامة قد قامت وسمعت مناديًا ينادي: ادخلوا السنية الجنة. فقمت وقلت: والإباضية يا رب، فسمعت صوتًا يقول: الإباضية نزهوني وعظموني ليس لهم جزاء إلا الجنة.
هذا نص الرؤيا لا زيادة ولا نقصان، والرؤيا في مكة، ولما رجعت قصصت الرؤيا على الإمام الخليلي -رحمه الله- فقال: إن الأمر ليس كما يظن الناس........... الخ.
ومن رسائل الداخل اذكر له رسالتين وجههما إلى الشيخ سعيد بن عبد الله بن غابش رحمه الله وهو من هو علما وتواضعا وورعا وكان يراسله بين الفينة والأخرى.
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حضرة الشيخ الأجل الأخ الفقيه سعيد بن عبدالله بن غابش سلام عليك ورحمة الله كتابك الأكرم وصلني وفهمته والوصية التي بخط أبيك وشهادة الإمام سالم رحمهما الله وقفت عليها وقد أخذنا منها جملة صور لأنها من تراث الصالحين الذي يستحق أن يحتفظ به وتذكارا لهما رضي الله عنهما.
وما ذكرته لي من جهة انتسابك إلى قبيلة النوافل وأنك متحرج فالورع والحيطة لها مكان فينبغي للحازم أن يهضم نفسه وإلا فإن مولى القوم منهم وكان أبو عبيدة رضي الله عنه يُكتب التميمي وهو مولى لبني تميم.
واعلم يا سعيد أنه ليس بالنسب يكبر الإنسان بل بالأدب والدين والأخلاق قدم قادم إلى عبد الملك بن مروان من العراق فأخذ يسأله من يسود أهل البصرة؟ قال: فلان قال: أمن العرب أم من الموالي؟ قال: من الموالي قال: بم سادهم؟ قال: بعلمه قال: حقيق لذي العلم أن يسود ثم قال: من يسود أهل واسط؟ قال: فلان قال: أمن العرب أم من الموالي؟ قال: من الموالي قال: بم سادهم؟ قال: بعلمه قال: حقيق لذي العلم أن يسود قال: من يسود أهل الكوفة؟ وهكذا يعد له قرى العراق وهو يقول: يسودهم فلان من الموالي قال الرجل: فرأيته ثقل عليه كثيرا فقال: من يسود أهل البلد الفلانية؟ فقلت: فلان من العرب فارتاح.
فالسيادة والشرف للعلم والفضل لا للنسب قال الشاعر:
أتفخر باتصالك من علي ***** وأصل البولة الماء القراح.
وإن انتسبت إلى الحبشي فلا يضرك مع سلامة القلب والله نسأله السلامة لنا ولك من وساوس الشيطان ومن كيد النفس الأمارة بالسوء ولا حول ولا قوة إلا بالله هذا والسلام عليك والوصية واصلة إليك. محبك أخوك محمد بن شامس.
وهذه رسالة من شيخنا سعيد بن عبد الله بن غابش إلى الشيخ ويليها جواب الشيخ عليها:
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حضرة الشيخ الرضي الفاضل القاضي محمد بن شامس البطاشي المحترم
سلام عليك ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فقد أشكل عليّ كلام في الأثر وهو في جامع ابن جعفر الجزء الثاني يرفعه من جامع أبي الحسن قال: فأما من صلى بعد صلاة الفجر إلى الشروق وبعد صلاة العصر إلى الغروب فإنه يستتاب من ذلك فإن تاب وإلا برئ منه. أه.
أقول كيف يستتاب وفي المسألة اختلاف بين علماء المسلمين فما وجه الاستتابة منه وأعظم من ذلك قوله: وإن تاب وإلا برئ منه والبراءة أمر عظيم فإن قلت: برئ منه حيث امتناعه من التوبة فهو في حكم المعاند للمسلمين فهل بلغ حكم المصلي في هذين الوقتين إلزام التوبة فما هي معصيته وقد أخذ بقول من أقوال المسلمين فأنا في حيرة من ذلك وذلك لقصور فهمي عن إدراك فهم المسألة.
وقد وجدت أن الصلاة تحرم في ثلاثة أوقات عند طلوع قرن من الشمس وعند غروب قرن من الشمس وعند استواء الشمس في كبد السماء.
وتكره في ثلاثة أوقات بعد صلاة الفجر إلى أن يطلع قرن من الشمس وبعد صلاة العصر إلى أن يغرب قرن من الشمس وبعد الوتر إلى أن ينتبه من نومه.
وهذا المصلي صلى في الأوقات المكروه فيها الصلاة لا في الأوقات المحرم فيها الصلاة فالنهي فيما يظهر للتكريه فلو أن الصلاة حرام بعد الفجر وبعد العصر لم يصل فيها على الميت ولم تصل المنسية والتي ينم عنها وقد منعت تلك الصلاة ودفن الميت في الأوقات المحرمة لا المكروهة.
فهل تلزمنا البراءة ممن صلى العصر ووجد جماعة تصلي العصر فصلى معهم ونواها طاعة إن استتبناه ولم يتب؟.
أفدني مأجورا مشكورا ولك عظيم الأجر محبك سعيد بن عبد الله بن غابش الحبشي.
الجواب:
والله الموفق للصواب لا أدري ما مراد هذا الأثر ولعل القائل بذلك حمل النهي عن الصلاة في هذين الوقتين على التحريم فإنه لا يستتاب إلا من فعل محرما ولا يبرأ إلا ممن أصر على الحرام وإلا فالمشهور أن النهي في الحديث للتنزيه وعليه فإن فاعل ذلك لا يبلغ به إلى البراءة والله أعلم والسلام عليكم ورحمة الله من محبك محمد بن شامس.
وهناك المراسلات الرسمية التي تطلب فيها بعض الجهات الحكومية فتوى حول قضية معينة ومن أمثلتها الجواب على رسالة وزير العدل المتضمنة استفسارا عن الدية وأنواعها وأحكامها.
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حضرة وزير العدل سلام عليكم ورحمة الله وبعد فكتابكم وصل الذي تستفهمون فيه عن الدية وعن دية الخطأ ودية العمد وشبه العمد وهل من فارق بينهن ودية جروح الخطأ وجروح العمد وشبه العمد.
فاعلم أن الدية نطق بها الكتاب العزيز ولم يبين مقدارها فبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ناقة في العمد وشبه العمد وفي الخطأ لكن دية العمد تنقل من جهة الأسنان ومن جهة الأداء فإن دية العمد أربعون جذعة وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون.
أما دية الخطأ فخمس وعشرون ابنة مخاض وخمس وعشرون ابنة لبون وخمس وعشرون ابن لبون وخمس وعشرون حقة.
ودية شبه العمد مثل دية العمد وقيل: خمس وعشرون ابنة مخاض وخمس وعشرون ابنة لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة.
ودية العمد وشبه العمد تؤدى في عام واحد بدون تقسيط أما دية الخطأ فإنها تؤدى في ثلاثة أعوام وهي على عاقلة الجاني كل سنة ثلث الدية.
وجروح العمد كالعمد وجروح الخطأ كالخطأ وابنة المخاض ابنة سنة وابنة اللبون ابنة سنتين والحقة ابنة ثلاث سنين والجذعة ابنة أربع سنين هذه صفة الدية في عهده صلى الله عليه وسلم لأن العرب كانت أموالهم الإبل ولم تتعد أحكام النبي صلى الله عليه وسلم أرض العرب في حياته ولما اتسعت الفتوح في عهد عمر رضي الله عنه وملك الشام والعراق وهم أهل الذهب والفضة قدرها على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الفضة عشرة آلاف درهم وعلى أهل الغنم ألف شاة وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الحلل مائتي حلة.
فالعمد من قصد إنسانا يقتله عمدا وشبه العمد هو من قصد القتل لكن لم يتعمد المقتول كمن قصد أن يرمي طيرا فأصابت إنسانا أو رمى إنسانا بما لا يقتل في العادة كمثل بعرة أو ريشة فمات المرمي والخطأ من لم يتعمد القتل أصلا فوقع القتل من فعله وشرحه يطول والله أعلم. محمد بن شامس.
المبحث الخامس: نماذج من وصاياه
كان الشيخ محمد بن شامس البطاشي رحمه الله مرجعا خاصا لأهل المسفاة والقرى المجاورة لها في كتابه الوصايا فكان يكتب لهم وصاياهم ناهيك بغيرهم ممن يطلبون منه ذلك من سائر أنحاء عمان كما كان مكثرا من كتابة وصاياه هو نفسه ويبرر ذلك تجدد الأحوال وطريان الحوادث وبيدي من الوصايا التي كتبها الشيخ لنفسه ما يزيد على العشر
اخترت منها هذه الوصية كأنموذج.
بسم الله الرحمن الرحيم
أوصي بعد موتي وأنا ممن يدين بدين المسلمين أنا محمد بن شامس بن خنجر البطاشي أوصي بأن ينفذ عني من مالي جميع ما احتاج إليه من جهاز الموتى من عطر وكفن وحنوط وأوصي لمن يغسلني غسل الموتى بخمسة عشر ريالا ولمن يحفر قبري بأربعين ريالا وأوصي بإنفاذ كفارتين للصلاة كل كفارة منهما إطعام ستين مسكينا وأوصي بإنفاذ أربع كفارات أيمان كل كفارة إطعام عشرة مساكين.
وأوصي بإطعام ستين مسكينا احتياطا عما ضيعته من صوم رمضان وأوصي بترك النوح والبكاء يوم موتي وبعده.
وأوصي لأقاربي الذين لا يرثونني الذين هم من ذرية جد أبي شامس بن خنجر لكل فرد من ذكر وأنثى بريال عماني للقريب والبعيد.
وأوصي لموالي جدي المذكور الذين هم أولاد فرحان وأولاد باروت وأولاد سعد وأولاد عويذ وأولاد السونجي الذين منهم أولاد سليمة بنت سالمين ولأولاد سعدة وسليمة ابنتي مقندح وذراريهم ممن في الحيل وحاجر دغمر والسيفة لكل واحد منهم بنصف ريال إلحاقا لهم بالأقربين لقوله صلى الله عليه وسلم مولى القوم منهم الذكر والأنثى والقريب والبعيد.
وأوصي بإنفاذ عشرة آلاف ريال في فقراء المسلمين وأوصي لعبد الحميد ولدي بألفي ريال لتزويجه عوضا عما زوجت به إخوته وأوصي لزوجتي حسناء بنت عبدالله بن راشد بثلاثمائة ريال صداقها الآجل وأوصي لمسجد الحيطان من بلدة المسفاة بألف ريال وخمسمائة ريال وأوصي لمسجد العقبة من محلة الوشل من مطرح بألف ريال وأوصي لورثة قمر بن سلطان الحيدر آبادي بمطرح بمائة ريال وأوصي لمن كسح لي أرض الوشل بمائة ريال فإن لم يعرف تفرق على فقراء المسلمين.
وأوصي لفلج المسفاة بخمسمائة ريال ولفلج عباية بمائة ريال ولمسجد الغبرة بمائة ريال ولمسجد الصرم بمائة ريال ولمسجد جيل الحفاظ بمائة ريال ولمسجد رم السدر بثلاثين ريالا.
وأعترف أن الولد خالد بن محمد له ثلث ماء البئرين من الجرجار وأما الأرض فمقسومة وأوصي لأولاد الولد نبهان بن محمد بمثل سهم بنت من بناتي واعترف أني سمحتهم من نصيبي من ميراث أبيهم وهو السدس.
وأوصي بالأصلين من وقيف القارة بشربمهما من مالي الشرقي لمسجد الصرم والغربي لمسجد الغبرة.
وأوصي إلى عمار مسجد الحيطان بأن يلازموا صلاة الجماعة فيه ليلا ونهارا وأن لا يؤذوه بالفضول من الكلام وأن يطاع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والله حسبي ونعم الوكيل.
أوصي بإنفاذ وصاياي هذه على الوجه العدل وقد جعلت أوصيائي الولدين سلطانا ومحسنا لثقتي فيهما وقد عهدت إليهما أن لا يقصرا في شيء وأن يبادرا في إنفاذ الوصية ولو أمكن قبل الدفن فإني قادم إلى رب عظيم ومسئول عما اجترحته وأعترف أني تائب إلى الله من كل صغيرة وكبيرة مما عملت ومما لم أعمل وعلى الله توكلت ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقد أوصيت للأوصياء بأربعمائة ريال لقيامهما بإنفاذ الوصية وقد أوصيت أن ما أخلفه من كتب هو وقف يقرأ فيه من شاء الله من المسلمين تجعل هذه الكتب في الصفة الغربية من البيت السهيلي ويقبضها الأصلح من الأولاد وحسبي الله ونعم الوكيل.
وهذه الوصية ناسخة للوصايا الأول والحقوق التي في الدفتر فهي على ما كتبت عليه الذي لي والذي علي وكتبت جميع ذلك بيدي يوم الحادي والعشرين من شوال 1418هـ وأنا محمد بن شامس بن خنجر.
أشهدني فشهدت عليه وأنا خالد بن مهنا البطاشي.
المبحث السادس: نماذج من اجتهاداته
ذكر في الخامس من السلاسل في باب نكاح المشركين مسألة من أسلم من الزوجين دون الآخر ونقل عن الإمام القطب في شرحه على النيل اختلاف العلماء في لزوم الصداق على الزوج إن بقي على شركه وأسلمت زوجته فقيل: بلزوم الصداق عليه تاما ولو لم يمسها وقيل: لا صداق لها لأنها فوتت نفسها منه فأبطلت صداقها كالناشزة والقاتلة نفسها والفاعلة لما تحرم به ولأنه مال التزمه على نكاح أو عقد وقع في شرك فكأنه ثمن خمر أو خنزير لا يأخذه من اسلم ولا يعطيه من اسلم وكذا يقول من يحرم المرأة على زوجها إذا مسها في نكاح الشرك ثم اسلما فانه مسها برضاها فلا شيء لها إن اسلم احدهما إذ صير الإسلام ذلك كزنى وان لم يمسها لم تأخذ النصف لتصيير الإسلام هذا العقد كالعدم.
وقال الربيع وضمام: لها نصفه إن لم تمس وقيل: لا صداق لها إن لم تمس وكانت مرتدة أو مجوسية أو وثنية.
والشيخ البطاشي بعد أن نقل المسألة في السلاسل وعدد الأقوال الواردة فيها انتصر لقول من يوجب الصداق على الزوج المشرك لزوجته التي أسلمت ولم يعتبر قول من قال إنها بإسلامها فوتت صداقها بل اوجب لها الصداق واوجب على زوجها الإسلام.
قال في السلاسل 5/ 151:
ويلزم المسلم من شرك بأن **** يصدق من بدار شرك يتركن
وتدرك المهر عليه لازما **** إن أسلمت وقد بقي ما أسلم
لو ذلك الحليل لما يدخلا **** كان بها في الصورتين أولا
وقيل لا صداق بالذي أتت **** لأنها لنفسها قد فوتت
فأبطلت صداقها كالقاتله **** وما به تحرم صارت فاعله
قلت وذي لنفسها ما فوتت **** بما له قد فعلت وما أتت
فهو عليه لازم أن يسلما **** وعنده تبقى كما تقدما
وذكر في الخامس من السلاسل أيضا في باب تخيير المفقود وغير المفقود مسألة من غصب زوجة رجل فتزوجها أو تسرى أمته قهرا وغلبا واتخذ لها بيتا وأشهر ذلك في الناس فولدت عنده أولادا.
وعدد أقوال العلماء في المسألة ورجح أن جميع ما ولدت لزوجها الأول لعلة الفراش ثم ذكر باقي الأقوال في المسألة ومن ضمنها القول الذي حكاه أبو يعقوب أن من هربت من زوجها ولحقت برجل أو غصبت وانقطع وطء زوجها فولدها ولد زنا لا يلحق الزوج وقيل: إن النسب ثابت للمغتصب إذا ضمنها لنفسه تنزيلا له منزلة المستحل.
وعقب على هذا القول بأنه مخالف لنص الحديث ولا يرتضيه العقل السليم من حيث انه يكافئ الغاصب على فجوره وظلمه بمنفعة تمثلت في إلحاق الأولاد به وأن هذا رأي لا يراه بمكان.
قال في السلاسل 5 / 326:
وغاصب زوجة شخص عقدا **** عقدة تزويج بها تمردا
أو أنه سرية تسرى **** لرجل تمردا وقهرا
وأعلن الأمر بذلك وجعل **** بيتا لها بشهرة بلا خجل
فأنتجت له بنين فهم **** لزوجها الأول فيهم يحكم
لأنما الفراش للذي سبق **** ليس لغاصب وذا هو الأحق
وقيل للأول من ذرية **** ما ولدت دون شهور ستة
من يوم ما صارت مع المغتصب **** على النكاح والتسري الكذب
وما يزيد فوق ذاك فهم **** أولاد أمهم بذاك يحكم
قال أبو يعقوب من قد غصبت **** من زوجها أو إنها قد هربت
وبامرئ قد لحقت وانقطعا **** منها نكاح زوجها وارتفعا
فابنها ابن زنى لا يلحق **** حليلها ومنه لا يعتلق
وبعضهم يقول إن النسبا **** يصير ثابتا لمن قد غصبا
إن ضمها لنفسه وقد جعل **** منزلة الذي لها قد استحل
قلت وهذا أين من نص الخبر **** بأن للعاهر ضربًا من حجر
أيجلب الظلم مع الفجور له **** نفعا فهذا لا أرى في المسأله
ومن ترجيحات الشيخ الفقهية ما ذكره رحمه الله من اختلاف العلماء في حكم بيع الخيار وانقسام العلماء إلى فريقين: فريق أجاز البيع واعتبره من البيوع الشرعية وفريق منعه واحتج بأن فيه تحايلا على الربا المحرم وأن المشتري لم يرد من المبيع أصله وإنما أراد غلته ولا سبيل إليها إلا بحيلة بيع الخيار.
ونقل عن الشيخ السالمي رحمه الله إنكاره وتشنيعه على من أفتى بجواز الخيار وجعل الغلة للمشتري وألزم البائع الغرم واعتبر ذلك ربا خالصا إلا أن يكون قصد المشتري أخذ الأصل من أول الأمر وهو ما اعتمده الشيخ البطاشي رحمه الله.
قال في السلاسل:6\354
والبيع بالخيار فيه اختلفا **** أجازه بعض وبعض زيفا
لأنه بيع وشرط وقعا **** فذان قولان به قد رفعا
وبعضهم قد أبطل الخيارا **** وقد أجاز البيع حيث صارا
ومن أجازه فانه استدل **** بخبر عن الرسول قد نقل
البيعان بالخيار وبما **** قد كان في التحفيل عنه رسما
وباشتراط جابر ظهر الجمل **** من مكة إلى مدينة الرسل
وبحديث المؤمنون هم على **** شروطهم وذاك عنه نقلا
والله للبيوع قد أحلا **** هذا دليل من يقول الحلا
وقال والخيار شرط وجدا **** جزء من البيع الذي قد عقدا
ومانع الخيار قال ما ذكر **** من الأحاديث عن الهادي الأبر
ليس بها دلالة قط على **** إجازة لخيار حتى يفعلا
فالأولان إنما دلا على **** غير الذي نذكره فيما تلا
لأنما ذاك خيار حصلا **** بدون شرط كان منهم أولا
والآخران لم يكن خيار **** فيهن بل شرط له يصار
مع جزمهم بالبيع حتما فبطل **** هنالك استدلالهم بما نقل
وليست الآية في الخيار **** جزما فلا دليل فيها جاري
واحتج مانعوه أنه وقع **** لكي يحل الثمر الذي منع
ليس على الأصل فكان حيله **** فمن هناك قد نرى تبطيله
لقول صفوة الورى من أجبى **** فإنه أربا كذاك أنبا
والسالمي شيخنا أطالا **** في هذه المسألة المقالا
فإنه قد قال بعد ما ذكر **** أمر الخيار والخلاف المشتهر
والقائلون بالثبوت قالوا **** يثبت ما لم تقصد الغلال
فإن قاصد الغلال مربي **** في ماله عند جميع الصحب
وإنما يسوغونه لمن **** قد قصد الأصل الذي يثبتن
يريد أن يأخذه تدرجا **** إذ لم يجد للقطع حالا منهجا
هذا الذي قد جوزوه لا سوا **** لكن فشا في الناس إتباع الهوى
فلا ترى من يشتريه أبدا **** منهم لغير غلة قد قصدا
هم جعلوه منهجا للغلل **** واستسهلوا مأخذه للمأكل
لآخر القول الذي قد ذما **** أفعالهم فيه ويكفي ذما
وهو مقال صادق والحق في **** ما كان قد أبداه غير مختفي
قد كثر الفساد في الناس وجل **** وأكلوا الحرام جهرا بالحيل
لاهم إنني إليك أبرا **** من فعلهم وما أتوه جهرا
وتعقب رحمه الله في السابع من السلاسل كلاما نقله عن الشيخ خميس بن سعيد الشقصي رحمه الله صاحب المنهج الذي أورد قولين في حكم الأرض الميتة إذا أحياها صاحبها بماء مغصوب.
فقيل: هي لصاحب الماء ولا شيء لمن أحياها، وقيل: هي لمن أحياها وعلى الغاصب قيمة الماء لصاحبه وهو قول الجمهور.
والشيخ بعد أن نقل كلام العلامة الشقصي حاد عن مذهب الجمهور ولم يؤيدهم فيما ذهبوا إليه بل استنكر عليهم تثبيتهم الأرض بيد الغاصب مقابل عوض يدفعه لصاحب الماء لأن الغصب حرام والحرام لا يترتب عليه أثر.
قال في السلاسل 7/342:
وغاصب ماء به قد أحيا **** ميتة فهي لمن قد هيا
لكن عليه للذي منه غصب **** قيمة ذاك الماء مثلما تجب
وذا هو الأكثر في الإفتاء **** وبعضهم قال لرب الماء
قلت ولو يقال إن ما عمر **** فإنه عمارة لا يعتبر
لأنما الحرام ما له أثر **** وليس للغاصب عرق في الأثر
فتلكم الأرض على حالتها **** كأنها ميتة في وقتها
ومن المسائل الخلافية التي أوردها الشيخ رحمه الله في السلاسل وحقق الأقوال الواردة فيها مسألة الجناة التي فيها أثر عمارة ولا يعرف من عمرها فإنه يمنع الكل من الانتفاع بها حتى يصح لمن هي أما إذا كانت الجناة ليس بها أثر عمارة ففيها خلاف: قيل: هي لمن سبق إليها فهو أولى بها، وقيل: إنها لأهل الأموال المشتملة عليها، وقيل: لا يجوز لأحد أن يأخذها ويتعرض لها وتترك بحالها، وقيل: تكون رما لأهل البلد وهذا القول الأخير سقط من طبعة وزارة التراث للمنهج مع أن الشيخ الشقصي ذكر في صدر المسألة أن فيها أربعة أقوال ولا يخفى أن الشيخ اعتمد في نظم السلاسل على مخطوط منهج الطالبين قبل طباعته.
والشيخ لم يستحسن قول من قال بحبس الجناة وعدم التعرض لها ورأى أن في ذلك تعطيلا لأمر يمكن أن ينتفع منه الناس.
قال في السلاسل 7/ 343:
وفي جناة وبها عمار **** ولم يكن يدرى من العمار
فإنها ممنوعة حتى يصح **** مالكها من الورى ويتضح
أما إذا لم يك فيها أثر **** عمارة من قبل ذاك ينظر
فإنها لمن إليها قد سبق **** من الورى فإنه بها أحق
وقال بعض إنها لمن غدت **** أمواله محيطة بها بدت
وقال بعض العلماء النجد **** بأنها رم لأهل البلد
وقال بعض العلماء تترك **** بحالها ولا يصح تملك
قلت ولا وجه لما قد ذكرا **** لأنما ذلك تعطيل جرى
وكونها ينتفعن منها الورى **** أحسن من تعطيلها كما ترى
وأن هذا القول أيضا نقلا **** في كل ما مالكه قد جهلا
وفي الموات كله إذا أتى **** بين أروض لأناس ثبتا
لكنما الأصح غير ما ترى **** وعمل الناس عليه قد جرى
فذلك المجهول من أموال **** لم يبق متروكا كهذا الحال
بل بعضهم يجعله في الفقرا **** ودولة الإسلام بعض صيرا
ولشيخنا رحمه الله منهج دقيق في كتابة التاريخ فهو لا يكتفي بسرد الأحداث ونقلها دون تمحيص بل يقف كلما استدعى الأمر وقفة تأمل ونقد يستجلي من خلالها حقيقة المنقول ويجعل العقل والقرائن حكمًا في ذلك فكم من خبر تناقله المؤرخون جيلا بعد جيل حتى غدا كالمجتمع عليه الذي لا يسع خلافه لاتفاق كلمتهم عليه وهو لمن تأمله ليس بشيء لمخالفته العقل وهنا يبرز دور المؤرخ الناقد الذي يميز غث الأخبار من سمينها ومثال ذلك ما أجمع عليه المؤرخون من أن العلامة المنير بن النير الجعلاني تلميذ الإمام الربيع بن حبيب وأحد حملة العلم الأربعة إلى عمان وأحد المبايعين للإمام الجلندى بن مسعود سنة 131 ه هو المنير المقتول بوقعة دما في جيش الأهيف بن حمحام سنة 280 ه على يد محمد بن بور وأن عمره إذ ذاك 110 سنين.
وهذا لمن نظر بعين البصيرة بعيد كل البعد عن الصواب وقد تنبه شيخنا البطاشي رحمه الله لذلك وهو أول من نبه إلى استحالة أن يكون المنير بن النير تلميذ الربيع هو المنير بن النير المقتول بوقعة دما سنة 280 ه للفارق الزمني الكبير بين الربيع والجلندى وبين الوقعة المذكورة فقد تقدم أن بيعة الإمام الجلندى كانت سنة 131 ه فيكون الفارق بين الحدثين 149 عامًا أضف إلى ذلك ما مضى من عمر المنير وقت البيعة فلأجل هذا لا يعقل أن يكون المنير بن النير تلميذ الربيع قد عمر هذا العمر الطويل جدا وأدرك وقعة دما على أن هذا يخالف ما أثبتوه من أن المنير توفي عن 110 سنين والحاصل أن المنير بن النير قتيل دما ليس المنير بن النير تلميذ الربيع وإن أثبته من أثبته لاستحالة ذلك عقلا ولعل هناك تشابه أسماء أدى إلى هذا الخلط ويشير الشيخ رحمه الله إلى ذلك فبعد أن ذكر وقعة دما والأحداث التي صاحبتها تطرق إلى قضية المنير فقال (مقدمة الجزء العاشر من السلاسل):
وقتل الشيخ المنير المرتضى **** في جملة القتلى هناك وقضى
وكان ممن حملوا العلوما **** إلى عمان ذكروا قديما
وإنه لمن بني ريام **** حسب الذي جاء عن أعلام
قلت وفيما ذكروه نظر **** فإنني لقولهم أستنكر
كيف بقاء المرتضى منير **** إلى زمان كان لابن بور
وقد علمت أنه ممن حمل **** للعلم في عصر الأجلاء الأول
وأنه قد كان فيمن بايعا **** سليل مسعود الجلندى الأروعا
وبين بيعة الجلندى الأفضل **** وحرب نجل بور المضلل
مائة عام ثم خمسون سنه **** وذاك أمر واضح ما أبينه
وها هنا يذكر في منير **** عند مسيره إلى ابن بور
بأنه ابن مائة وعشر **** فانظر إلى مقالهم بفكر
وقد رأيتهم جميعا ذكروا **** هذا وما تنبهوا وادكروا
فإن يك الأخير غير الأول **** واتفقت أسماؤهم فهو جلي
ومن أمثلة تحقيقات شيخنا العلامة محمد بن شامس البطاشي رحمه الله اعتراضه على بعض العلماء في نسبته لآل بو سعيد إلى خلف بن أبي سعيد الهنائي حيث يرى الشيخ أن الصحيح من نسبة آل بوسعيد أنهم ينتسبون إلى أبي سعيد المهلب بن أبي صفرة القائد الشهير إذ يستحيل عقلا ونقلا نسبتهم إلى خلف بن أبي سعيد لأن خلف هذا من أعلام القرن الحادي عشر الهجري في عهد دولة بني نبهان وآل بو سعيد حدثوا في عمان قبل ذلك الوقت بفترة طويلة وفيهم علماء أصحاب مؤلفات معاصرون لخلف بن أبي سعيد وسلسلة نسبهم طويلة لا تلتقي بخلف المذكور ويحقق الشيخ ذلك بقوله (مقدمة الجزء العاشر من سلاسل الذهب):
نسبتهم إلى المهلب العلم **** ابن أبي صفرة والطود الأشم
وهو الذي يكنى أبا سعيد **** كذا روى بعض الرجال الصيد
فلا أرى صواب ما قال به **** بعض من الأعلام في كتابه
حيث غدا ينسبهم إلى خلف **** ابن أبي سعيد العالي الشرف
فخلف المذكور بالتعيين **** كان بحادي العشر من قرون
في عهد أملاك بني نبهانا **** المتأخرين في عمانا
وآل بو سعيد قد تكونوا **** من قبل ذلكم وقد تبينوا
في أدم وغيرها من القرى **** وذاك واضح يراه من يرى
وفيهم رجال علم عرفوا **** من قبل ذاك الوقت ممن صنفوا
وللشيخ منظومة في دعاوى الزوجين ذكر فيها بعض الدعاوى الشائكة بين الأزواج وأورد حجج كل طرف والردود عليها ونقل أقوال العلماء وختم ذلك كله بما ترجح عنده.
ومن جملة ما ذكر في المنظومة من ادعاءات الزوجين على بعضهما البعض ادعاء الزوجة على زوجها أنه لا يؤدي لها حق الفراش لعجزه عن الجماع وعدم استطاعته عليه وتكذيب الزوج لها وادعاؤه القدرة على الجماع وأنه يأتيها في الليلة الواحدة كرة بعد كرة وأنها هي التي تهرب منه في كل مرة، ونفي الزوجة لكلام زوجها ودعواه القدرة على الجماع ووصفها له بالكذب والزور والتنطع في القول إلى آخر ذلك من السجال المتبادل بين الزوجين.
ولما كانت القضية من الشائكات فقد اختلفت فيها الآراء وتعددت الأقوال كما احتار العلماء في اختيار الامتحان الأمثل لإثبات العجز على الزوج أو نفيه عنه ولهم في ذلك كلام طويل وكان للشيخ كذلك قوله الذي اطمأنت إليه نفسه في المسألة.
والمنظومة طويلة أقتصر منها على محل الشاهد فقط وهو لا يخلو من طول أيضا:
وخود أتتني والحياء يصدها **** ويمنعها الإدلاء بأية دعوة
ولكنما في النفس أمر يقودها **** لإبداء ما قد أضمرت في الطوية
تقول أبي ما إن أعيب عليه في **** مساعيه لكن سوء حظي وعثرتي
أتاني بشخص من أناس أكارم **** ومن عنصر زاك وطيب أرومة
فطوقني في عنقه وأتاح لي **** من المهر أعلا ما يساق لحرة
حملت بإجلال وعز إليه في **** قصور وحيطان سمت للمجرة
وفرش وريحان وأكمل زينة **** وحولي جوار قائمات بخدمة
ولكنه إن أظلم الليل وانزوى المح *** ب إلى الأحباب في طيب خلوة
تناوم عني في السرير موليا **** قفاه ولم ينبس إليّ بكلمة
صبرت زمانا ثم عاتبته وقد **** أجاب بأني ليس لي أي حيلة
با حد سيفي فاصبري ولدي من **** نعيم وخير ما ترين وغبطة
قصورُ وحيطان وشتى موائدٍ **** وعيشُ رغيد لا يشاب بمنة
ولم تبق إلا خصلةُ فتحملي **** بصبر فإن الصبر أحسنُ خلة
ولا تشغلي بالفكر قلبك وارقدي **** إذا الليل وافى والبسي خير حلة
وعاصي الهوى فالنفس والهوى **** إذا أطلقا كانا أشر بلية
فيا أيها القاضي أتيتك فانظرن **** بعطف فإني قد وقعت بهوة
وتعلم أن الخود ليس يصونها **** ولو بلغت في العقل أرفع رتبة
سوى البعلُ ثم ارفضَّ في الحال دمعها **** ومن خجل لم تبد لي أي كلمة
فقلت له ماذا ترى في الذي أتت **** وقالته أخبرني بصدق القضية
فقال لقد مانت وقد طاش سهمها **** ولم تأت فيما أخبرت بالحقيقة
فإني إذا ما الليل أرخى سدوله **** أكر عليها كرة بعد كرة
وأعركها عرك الأديم وإنها **** لتهرب مني مرة بعد مرة
فقالت كذاب ما أتى وتنطع **** وزور وإن الصدق في نفس دعوتي
فقلت لقد أوقعتماني بحيرة **** فخافا إله العرش رب البرية
ولا بد أن الكذب من واحد أتى **** ألا فليتب من جاء منكم بفرية
ودعواكما من أصعب الصعب حلها **** إذا لم تجيئا لي بصدق الحقيقة
وللعلماء في ذاك خلف فبعضهم **** يرى القول قول الفحل في ذي القضية
فيحلف بالله المهيمن أنه **** يطيق جماع الخود من دون كلفة
وذلك قول عن أبي مؤثر أتى **** وعن غيره من قادة وأئمة
وإني أرى في هذه القول قولها **** بأن الفتى ما نال منها للذة
وذلك أن الأصل عجز فمدعي استط **** اعته يدلي هناك بحجة
كذاك وإن الأصل عدم إصابة **** فمن يدعيها مدع في القضية
وقيل على رفغيه تجعل صبغة **** ويؤمر يأتيها إزالة شبهة
فإن بان فيها الصبغ فالقول قوله **** وإلا فكذب ما ادعى في الحليلة
وأعجب ممن قال ذاك فهذه المق **** الة لما تصدرن عن روية
فلا شك أن الصبغ حين تلاقيا **** يبين بها لو لم ينلها بطعنة
فلو قيل يلقى فوقها وهناك من **** يراهم بعين كاشفا للحقيقة
لكان صوابا فالفروج يجوز أن **** ترى إن يكن داع دعا في مهمة
كمثل ختان للفتى وعلاجه **** لدى مرض يعنو وتبيين عذرة
وخير الورى إذ هم يوم قريظة **** بقتلهم إذ أوقعوا للجريمة
أباح لهم بل كان بالأمر صادعا **** بأن ينظروا من منهم غير منبت
فمن كان منهم ذلك الحين منبتا **** سقوه بلا عفو كؤوس المنية
وقد قال بعض يدخلان بحجرة **** وبعد وقاع بينه والحليلة
تجي عدلة مع عدلة تنظران هل **** هناك بفرج الخود بعض رطوبة
وقد قيل لا يحتاج ثنتان ها هنا **** ولكنها تكفي شهادة عدلة
وقال الإمام القطب يلمس فرجه **** فإن كان صلبا فهو صاحب قدرة
وأهون عندي من مسيس لفرجه **** بأنهم يلقوا عليه لنظرة
فإن كان صلبا قائما أبصروه فالمق **** ال كما قد قال في ذي القضية
وفيها كلام غير ذاك تركته **** لما أنه خال أرى من أدلة
وإلحاقا بهذا المبحث عن اجتهادات الشيخ رحمه الله أسوق بعضا من جواباته النثرية بعد أن أثبت طرفا من اجتهاداته النظمية:
1 -: في اليوم السابع عشر من رمضان سنة ثمان وأربعمائة وألف هجرية وقفنا على ما كتبه مدير التركات من أن دراهم الأيتام كثرت في المديرية وأنها أصبحت مكدسة بدون فائدة للأيتام وبدون استغلال وأن بعضها تخرج منها نفقات للأيتام في احتياجاتهم مما يؤول إلى نقص تلك الأموال وذهابها أصلا وأن الله جل ذكره يقول: " ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير " وفي الحديث: اتجروا بأموال اليتامى لا تأكلها الزكاة.
قال: وإن هذه الأموال لو جعلت في شيء ترجع مصلحته إلى الأيتام لكان خيرا من تركها هكذا مما يؤول إلى نفادها وتلافها فالأصلح والأوفر أن تشترى بهذه الأموال والنقود ضياع وعقارات تقعد وتكون غلتها للأيتام مع بقاء أصل الأموال لهم مثل دكاكين وبيوت إلى غير ذلك مما يوفر المصلحة للأيتام.
وأنه تكلم في هذا الموضوع من مدة ولكن الشيخ المفتي والشيخ سعيد بن خلف عارضا هذه الفكرة بحجة أن هذا أمر حجره الشرع لكونه من باب الربا إلى آخر ما كتبه المدير وقد طلب منا وزير العدل النظر في هذه القضية.
فالذي نقوله إن الأصلح والأوفر ما يجري على طريق الحق والشرع لا ما يجري الأرباح للأيتام وغير الأيتام ولو كان من غير طريق مشروع فإن بيوع الخيار ومثلها الإقالة قد تكلم عليها العلماء فرأى القدماء أنها بيوع موقوفة فغلتها وما يكون عليها من غرم موقوف إلى تمام مدة الخيار فمن يصير له الأصل هو الذي يأخذ الغلة ويدفع الغرم.
وهذا أكثر رأيهم مع أن بعضهم أفتى بمنعها رأسا لكن بعض المتأخرين أفتى بصحة العقد من أول الأمر فأخذ الناس بقوله وجعلوا الغلة للمشتري وألزموا البائع الغرم الذي على المال في مدة الخيار وهذا هو الذي أنكره الإمام نور الدين وشنع على العمل به وصرح أن هذا من أمر الربا المحض ولم يسوغ أخذ الغلة إلا لمن قصد أخذ الأصل من أول مرة.
والذي نراه إن كان مدير التركات يأخذ هذه الدور والحوانيت بقصد أن يصير أصلهن للأيتام فهذا أمر سوغه العلماء أما أن يأخذها والقصد أخذ الغلة فقط لئلا تبقى أموال الأيتام بلا مصلحة فهذه المصلحة محجورة ويكون فاعل هذا كالسراج يحرق نفسه ويضيء لغيره والعياذ بالله بل يحرق الأيتام حيث أطعمهم الحرام.
هذا لو قدرنا أن هذه الحالة فيها مصلحة دنيوية للأيتام لكن إذا نظرنا إلى الحال اليوم نرى أن الأمور تغيرت تغيرا كبيرا بسبب انحطاط الأجور وانحطاط قيمة العقارات فكم من دور وحوانيت أصبحت تصطفق أبوابها خالية من السكان فربما تعود الحالة بالخسران على الأيتام فبينما أموالهم مرصودة بصناديق الحكومة إذا احتاجوا إليها وجدوها تصبح معلقة في جدران خالية مما يؤول إلى ذهابها رأسا فلم يف المزيد بالنقصان وهذا أمر مشاهد لا متوقع فحسب نعم لو فتحت لهم حوانيت وجلبت إليها البضائع وترك فيه تجار أمناء يبيعون لهم ويشترون فهذا وجه سائغ وهو مراد الحديث: أتجروا بأموال اليتامى ولكن أين التاجر الصدوق الأمين الذي يقوم بهذه المهمة ويرعى مصلحة الأيتام وما الداعي إلى هذا والحكومة ليس عليها إلا حفظ مال الأيتام لأهله ومن يحتاج إلى إنفاق منهم من ماله فإنه ينفق منه فإن نفد ماله في ذلك فليس على الحكومة حرج.
وقد كثرت بيوع الإقالة في هذا الزمان بقصد الاستغلال فقط وانحراف الناس إليها بلا مبالاة فليتنبه العاقل لنفسه ولا ينساب مع التيار فيؤول إلى الدمار وهذه الحالة هي التي نعاها الإمام نور الدين على أهل زمانه حيث يقول:
حالهما كحال الزانيين **** كانا على ذا متراضيين
يعني البائع والمشتري أما ما يقصده الحديث: أتجروا بأموال اليتامى فذلك مثل رجل عنده دراهم ليتيم فيتجر بها قصد الربح لليتيم لا مثل هذا للعديد الهائل المختلط هذا له ألف وهذا له خمسة آلاف وهذا له عشرة آلاف وهذا له مائة ريال وهذا له خمسون وهذا له عشرة وهذا له أقل فأنى يتأتي الاتجار بمثل هذا لجملة هؤلاء الشركاء إلا مع العناء والتعب وتدقيق الحساب هذا ما توصلنا إليه في هذه القضية شرعا ومصلحة وما القصد إلا الحق وما التوفيق إلا بالله.
2 -: بسم الله الرحمن الرحيم في يوم العشرين من ربيع الأول سنة 1409هـ وصل عندنا فلان بن فلان الفلاني وعرض علينا ورقة فيها إيقاف بيته الكائن بمنطقة القرم من مسقط على فقراء المسلمين بعمان خاصة ويقول أنه راجع عن هذا الوقف لأنه مديون وعليه حقوق للناس أضعاف أضعاف ثمن هذا البيت ولا يملك غيره لوفاء ديونه.
فالذي نقوله: إن له الرجوع بل إن هذا الإيقاف باطل لأن المفلس لا يصح تصرفه في ماله وقد دبر بعض الصحابة عبدا له وعليه دين فأبطل صلى الله عليه وسلم التدبير وباع العبد في وفاء الديون.
وقد جاء الأثر أن من حلف بماله للمساكين أو قال: هو صدقة لهم أو لبني السبيل أو قال: ما أملكه صدقة لزمه عشره إن حنث قال تعالى: ولا تبسطها كل البسط ولنهيه صلى الله عليه وسلم الرجل أن يوصي بماله كله أو بنصفه وهذا إذا لم يكن مديونا فكيف بالمديون بديون تستهلك ما عنده وتزيد فلا نرى إيقاف هذا البيت والحال هذه من باب البر بل نرى أنه أمر باطل.
ويقال: إن هذا الرجل به بعض اللمم وهو واضح إذ لا يذهب ماله دفعة واحدة وخاصة بيته الذي يسكن فيه ولا بيت له ولا مال غيره إلا المبرسم فلينظر فيما قلته أهل العلم والله الموفق للصواب. محمد بن شامس.
3 -: مسألة:
فلج يوجد في عامده الأصلي صوار في أعلا البلد وكان ذلك الصوار يستعمل فيما هو لمصلحة البلاد العامة يكسر فيه الفلج إذا احتاج العامد إلى إصلاح من صاروج وغيره.
وإذا مات أحد يؤخذ من الفلج ماء في ذلك الصوار لغسل الموتى والآن عمد أحد من أهالي البلد وأتى بماطور وركبه في حفرة أسفل وجين الفلج وهناك مجرى وادي وأحدث ساقية من ذلك الصوار العمومي إلى الحفرة المذكورة على جدول العامد وكان هناك عاضد للفلج من جهة ثانية.
وبتلك الساقية المحدثة ينعدم العاضد ويتضرر وجين العامد ويتولد الضرر على نفس العامد عند مسيل الوادي.
وذلك الصوار هو عام ليس ملكا لأحد مخصوص وإحداث الساقية منه واستعمالها مما يثبت الملك ويمنع منفعة الصوار العامة التي جعل لها سابقا. نرجو الجواب.
الجواب:
هذه المسألة من المسائل النظرية التي لا يمكن التكلم عليها إلا بالوقوف عندها أما على ما يظهر من كلام السائل فإنه ليس لهذا الذي يريد أن يحدث الماطور أن يجعله في مكان يضر بالفلج أو بأهله أو بعاضد الفلج أو في مكان مشترك إلا برضا الشركاء ومثل هذه الأشياء التي تتولد منها المضرة على الجميع فالأولى منعها لأن صلاح الجميع مقدم على صلاح الفرد وليس للإنسان أن يصلح نفسه بمضرة غيره والأحداث التي لم تسبق وفيها ضرر فمن الواجب رفعها ودفعها وللحاكم نظره في دفع المفاسد. والله أعلم.
4 -: مسألة:
في رجل باع سهما من أرض وكتب أنه باع سهمه من المكان الفلاني ولم يعين السهم أنه الربع أو الثلث فما الحكم في هذا؟ وهل الوصية فيه كالبيع؟ وإن مات البائع والمشتري أو أحد منهما قبل العلم بذلك فماذا يقال عند المطالبة؟.
الجواب:
إن كان السهم المبيع معلوما عند البائع والمشتري فعدم تعيينه بالربع أو الثلث لا يضره والوصية كذلك لا فرق بين البيع والوصية على أن في بيع المشاع خلافا أي في ثبوته وبطلانه فمبطله من جهة تعذر القبض لأن القبض عنده شرط في البيع وقبض المشاع غير ممكن ولعل مثبته لا يرى القبض شرطا على أنه ولو كان القبض غير شرط لكن المشاع تدخله الجهالة فالنقض فيه من وجوه. والله أعلم.
5 -: مسألة:
إن بعض البلدان في الأقطار الأوروبية يطول النهار فيها كثيرا إلى عشرين ساعة ويجد الصائم مشقة في الصوم فهل يقال أن يكون صومهم وفطرهم إلى أقرب بلد يتيسر فيه صوم النهار كله؟.
الجواب:
أما أن يصوموا بعض النهار فلا يصح ذلك لأن الصوم فرضه الله من طلوع النهار إلى حضور الليل ولكن من لم يقدر أن يصوم النهار كله فإني أرى فرض الصوم ساقطا عنه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وإن قيل: أنه يطعم عن كل يوم مسكينا قياسا على الشيخ الكبير فهو قول وجيه وكم من فرائض سقطت عن غير المستطيع هذه الصلاة فرضت بوضوء وقيام وركوع وغير ذلك فعلى المستطيع إتيانها بوظائفها المفروضة مما ذكرناه مكلف بجميع ذلك والذي لا يستطيع إتيان شيء من فرائضها يسقط عنه وكذلك الحج والجهاد فرض على المستطيع ومن لم يستطع سقط عنه هذا ما أراه نظرا لا أثرا وقد أفتى القطب رحمه الله أن من لم يدرك من الليل إلا مقدار صلاة المغرب لقصر الليل أن فرض العشاء الآخر ساقط عنه لأنه لا وقت له وهذا مثل ذلك فانظر فيه ولا تأخذ إلا بعدله. والله أعلم.
6 -: مسألة:
هل تكفي في الصلاة قراءة آية واحدة من القرآن للركعة الواحدة أم لا بد من قراءة ثلاث آيات وهل فرق بين الآية الطويلة والقصيرة؟.
الجواب:
أكثر الأقوال لا يكفي أقل من ثلاث آيات ويوجد قول إنها تكفي آية طويلة كآية الكرسي وآية الدين وقيل: تكفي ولو آية قصيرة كمدهامتان والذي أراه أن مثل مدهامتان لا تكفي لأنها لا يتم بها معنى ولا يفهم منها المراد فالله أعلم بما يروى عن بعض كبار العلماء في ذلك وقد قالوا: إن الآيات إذا كان لا يتم بها المعنى فلا تكفي في قراءة الصلاة ولو كانت أكثر من ثلاث كأول سورة التكوير فان المعنى لا يتم إلا في الآية السادسة عشر فانظر في ذلك. والله أعلم.
7 -: مسألة:
إذا كان العلماء لا يحرمون من أتى زوجته وهي حائض أو نفساء أو في دبرها لكنهم يأمرون بتطليقها فإذا لم يطلقها وأبقاها عنده فما رأيكم في بقائها في عصمته؟.
الجواب:
إن هذه المسألة فيها خلاف شديد بين العلماء فبعضهم يحرمها سدا للمفسدة لأن الجهلة لو أطلق لهم القول بعدم الفساد تجرؤوا على معاصي الله ولم يتوقفوا عن حائض ولا نفساء ولا عن جماع الدبر وهذا شيء محرم بنصوص القرآن والسنة.
ومنهم من لم يجزم بالتحريم يرى أن النهي لا يدل على فساد المنهي عنه، ومنهم من وقف ولم يحرم ولم يحلل وهو مذهب أبي عبيدة والربيع وابن محبوب رحمهم الله والقول بعدم التحريم رأي أصحابنا المغاربة والمخالفين والقول بالتحريم مذهب متأخري المشارقة فان تمسك هذا الفاعل بزوجته وبقي يعاشرها في بيته فالسكوت عنه واسع لأنه متمسك بقول من أقوال العلماء وأمره إلى الله. والله اعلم.
8 -: مسألة:
ما قولكم في امرأة عندها ثلاثمائة وتسعون قرشا واشترت بتلك الدراهم بيتا وكتبت الورقة باسم أحد أولادها وأجرت البيت وقبضت الإيجار بنفسها وبعد حول ماتت المرأة وتركت أولادا ذكورا وإناثا وأما وزوجا والأولاد كلهم أطفال الولد المكتوب له وغيره والورقة المكتوبة للولد لم تسلمها له في حياتها وبعد موتها قبضها أب الولد فما حكم هذا البيت هو للولد المكتوب له أم لجميع الورثة؟.
الجواب:
إن العطية إذا لم يحرزها المعطى ولا حازها وكيل له في حياة المعطي فالأكثر إنها باطلة وقد أبطل أبو بكر رضي الله عنه عطية منه لعائشة إذ لم تحرزها قبل موته وهذا الولد إن لم يحرز له أبوه في حياة أمه فلا تصح هذه العطية مع ما فيها من العلل.
والعلل هي عدم العدالة بين الأولاد وإن قيل بعدم لزومها على الأم فالصحيح اللزوم لأن علة النهي عن إيثار أحد الأولاد هي ما يورث الشحناء بين الأولاد وما يورث العقوق للأبوين وهذه العلة موجودة في الأم كما هي موجودة في الأب. والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله.
9 - مسألة:
في رجل أوصى بوصية وأول الوصية: أوصى فلان بما يحتاجه لنفسه من ماله بعد موته إلى أن قال: وبتوقيف البيت الذي له بالمكان الفلاني الذي بناه بنفسه بتوقيفه عن البيع والشراء والميراث وصيره لأولاده وأولادهم من بعدهم حتى ينقرضوا ومن بعدهم يؤول لأولاد فلان أحد أفخاذ جماعته وقفا مؤبدا لهم ولأعاقبهم إلى يوم الدين.
ثم بعد مضي تسعة أشهر من كتابة الوصية باع البيت المذكور بالإقالة لرجل آخر وبعد ذلك بمدة توفي الموصي فما تقولون في هذا البيت على هذه الصفة هل يكون للموصى لهم ثابتا أو يرجع للورثة ميراثا؟.
الجواب:
والله الموفق إن هذه الوصية بالبيت على صفتك هذه أقرب إلى البطلان من وجوه: الأول: إن التوقيف للوارث لا يثبت إلا على قول انه إذا أسنده من بعدهم لنوع بر والأرجح انه ولو أسنده لنوع بر فإنه لا يثبت لأن إسناده ذلك حيلة تستر بها فلو أراد البر لأوصى له في بادي الأمر فالصحيح أن الإيصاء على هذا النحو باطل.
والوجه الثاني: انه لما باع البيت تبين انه راجع في الوصية وليست الوصية لوجه بر حتى يدخلها الخلاف في رجوع ما أوصى به للبر والبيع بالإقالة بيع صحيح له أحكام البيع القطعي هذا مع ما قيل: إن التوقيف نسخته آية المواريث فانظر في ذلك ولا تأخذ إلا بعدله. والله اعلم.
10 - مسألة:
إذا اختصم ناس في مجلس الذي يسمونه سبلة أحد يدعيه خاص وأحد يقول: إنه عام فمن القول قوله؟.
الجواب:
القول قول من يقول: إنه عام لأن العادة في المجالس أن تكون عامة وللعادة حكم. والله اعلم
يتبع .../...