بعون الله وتوفيقه، شاركت  جمعية التّراث ( القرارة، ولاية غرداية) في معرض مسقط الدّولي الثّالث عشر للكتاب الذي أقيم في العاصمة مسقط، ما بين 27 من فيفري و07 من مارس 2008م. فأدّت واجبها في التّعريف بجانب من الحياة الفكرية والثّقافية في الجزائر. هذا الجانب تمثّل فيما تنشره وتعنى به من المؤلّفات والنّشرات والمطبوعات، التي تبرز وجهًا من وجوه التّراث الإسلامي الأصيل. هذه هي المشاركة الثّانية، بعد الأولى التي كانت في العام الماضي.

نسجّل أنّ الجمعية تمثّل الجزائر للمرّة الثّانية بجناح واحد في هذا المعرض الدّولي الكبير. ولهذا يكون لجمعية التّراث الفضل في تمكين عَلَمَ الجزائر أن يرتفع ويخفق إلى جانب أعلام الدّول الأخرى المشاركة بعشرات الأجنحة، بين الهيئات الرّسمية والدّور والمؤسّسات الخاصّة.
هذه المشاركات المتعدّدة والكثيرة، مكّنت أصحابها من التّعريف بما تزخر بها أوطانها من تراث وفكر، وما تتمتّع به من ثقافة، وما تتوفّر عليه من نشاط، وما تتميّز به من خصوصيات ومميّزات، ساعدت زائري المعرض من التّعرّف عليها، وتقدير مكانتها ومكانها في المنظومات الفكرية، والخبرات الثّقافية، والمبادرات العلمية. كما مكّنت العارضين من التّحاور فيما بينهم، وتبادل الآراء والأفكار فيما يطوّر العلاقات، ويحكم الصّلات... بينما تبقى الجزائر بعيدة عن هذا المسار، ونائية عن هذا التّوجّه. وبذلك تظلّ غائبة عن المحافل الدّولية، ومن ثمّ متأخّرة عن الإسهام في التّعريف بذاتها، وتصحيح الوجه الشّاحب الذي يتصوّره العالم الإسلامي والعربي  - بخاصّة – عنها، ويحمله في ذاكرته، وفي ظلّ الأوضاع المتردّية التي تمرّ بها الأصالة في الجزائر. وفي ظلّ التّشويهات التي تتعرّض لها سمعتها في الخارج.في المشاركة في مثل هذه التّظاهرات الثّقافية العالمية، التي تبرز الفكر، وتنشر المعرفة، وتقدّم الثّقافة... يُمكن للمبادر والمشارك والمتقدّم لهذه المحافل والمنتديات أن يخدم فكره، ووطنه وشعبه...هلاّ اعتبرنا بما نرتكبه في حقّ وطننا، بسبب الغياب عن الفضاءات العالمية، وبسبب التّقصير في أداء رسالة التّعاطف مع التّراث والفكر، والتّعريف بما نملك، والتّعارف مع الآخرين، والتّآلف مع المحيط الخارجي.
لماذا تبقى الجزائر مجهولة ومظلومة ومهمّشة، وهي تملك من المقوّمات الفكرية، والعناصر الحضارية، والمؤهّلات الحياتية...ما جعل منها قوّة فاعلة ومؤثّرة في الفعل الثّقافي دومًا. إلاًّ أنّها فقدت هذا التّأثير وهذه الفعالية، بغيابها عن السّاحات التي يجب أن تظهر فيها.
لماذا لا نأخذ العبرة ممّن يتقدّم دائمًا إلى هذه المنتديات وهذه الفضاءات، بقوّة وبتخطيط محكم دقيق، ويذهب إليها بأشخاص أكفاء نزهاء مخلصين، يمثّلون وجه الجزائر الحقيقي. إنّ الجزائر في حاجة ماسّة إلى أمثال هذه التّظاهرات وهذه المشاركات لتسترجع مكانتها وهيبتها، وتدفع عنها تُهمًا خطيرة، وَصَفَتْهَا بالتّخلّي عن ثوابتها التي دافع عنها من ضحّى بنفسه ونفيسه، وبذل أموالاً طائلة، وقدّم أعمالاً جليلة.
إنّ جمعية التّراث حاولت أن تقوم بهذه الرّسالة، ونجحت إلى حدّ كبير في بلوغ الأهداف التي سطّرتها. وقد بدا ذلك من خلال إقبال الزّوّار وبخاصّة العمانيّون على جناحها، وشراء الكتب المعروضة، والسّؤال عن الكتب التي لم تتمكّن الجمعية من توفيرها في المعرض. وكان الزّائرون يثنون على هذه المشاركة، ويعتبون عليها التّأخّر في المشاركة في المعرض في السّنوات السّابقة. ويتعجّبون من اقتصار الجزائر على جناح يتيم، وهم يدركون حجم الجزائر ووزنها ومكانتها في الماضي والتّاريخ والحضارة الإسلامية والعالمية.
كانوا كثير السّؤال عن سِيَرِ الشّخصيات الفكرية والثّقافية والأدبية والتّاريخية والسّياسية... وعن تاريخ الجزائر الوطني والثّوري، وعن حركة التّنمية والتّطوّر فيها. ويطلبون المصادر والمراجع في ذلك، غير أنّهم كانوا يقابلون بعدم توفّر ذلك عند الجمعية؛ لأنّ تخصّص مجال الجمعية في النّشر، وإمكاناتها لا يسمحان لها بتغطية كلّ هذه المجالات. بينما تلبية هذه الطّلبات يكون بتعدّد أجنحة المشاركة، وتنوّعها بين مشاركة رسمية، ومشاركة مؤسّسات خاصّة.كانوا يسألون  - مثلا - عن الأمير عبد القادر والشّيخ ابن باديس، والشّيخ بيّوض والشّيخ أبي اليقظان، ومالك بن نبي ومفدي زكرياء وديوانه اللّهب المقدّس... 
أشرف على جناح جمعية التّراث في المعرض الأخوان: الدّكتور محمد بن قاسم ناصر بوحجام والأستاذ محمد بن أحمد جهلان. ساعدهم في التّنظيم وبيع الكتب الطّلبة الجزائريّون الميزابيّون الدّارسون في معهد العلوم الشّرعية، وبعض الإخوان المقيمين في السّلطنة. فكانوا خير عون وسند في القيام بأعباء المعرض، جزاهم الله كلّ خير.  كانت للدّكتور محمّد بن قاسم ناصر بوحجام رئيس الجمعية، والأستاذ محمّد بن أحمد جهلان الأمين العام للجمعية، اللّذين أشرفا على الجناح. كانت لهما بعض الأنشطة على هامش المعرض، تمحورت حول التّعريف بالجمعية وأعمالها وأنشطتها ومشروعاتها، والإجابات عن أسئلة الكثير من الزّائرين والعارضين والشّخصيات العلمية والفكرية التي ترغب في التّعرّف على الجزائر وعلى ثقافتها، وتحرص على معرفة حاضر الجزائر، في ظلّ التّحوّلات التي تمرّ بها، والمستجدّات التي طرأت وتطرأ عليها. كان لهما حديث في إذاعة سلطنة عمان، ولقاء مع مديرها العام الأستاذ ناصر بن سليمان السّيباني وخبيرها الإعلامي الدّكتور محمد بن ناصر المنذري. تمّ خلاله التّطرّق إلى سبل التّعاون مع الإذاعة في إعداد بعض البرامج الثّقافية. كما جمعتهما جلسة مع مدير مركز الدّراسات العمانية في جامعة السّلطان قابوس الدّكتور محسن بن حمود الكندي، وكان مدار الحديث حول التّنسيق بين المركز وجمعية التّراث، والباحثين في الشّأن العماني والعلاقات الثّقافية بين عمان والجزائر.إلى جانب اللّقاءات المتعدّدة مع شخصيات فكرية وثقافية بارزة في المشهد الثّقافي العماني، الذين كانوا يتحدّثون إلينا، وكلّهم احترام وتقدير للجزائر، وتنويه بمكانتها المرموقة، وأمل في توطيد العلاقة بين الباحثين الجزائريّين والعمانيّين، والتّعاون في تقديم خبرات البلدين في مجال البحث والدّراسة، وتثبيت الصّلة التّاريخية بين البلدين وتطويرها لخدمة الصّالح العام. من بين هذه الشّخصيات الأستاذ علي بن مسعود المعشني، صاحب التّجارب الكبيرة والمعرفة الواسعة، والاطّلاع الكبير على أحوال العالم العربي، والدّراية الواسعة بأوضاع الجزائر الحاضرة والمعاصرة، بحكم عمله في سفارة سلطنة عمان بالجزائر في الثّمانينيات من القرن الماضي، وبحكم علاقاته الوثيقة ببعض المثقّفين والباحثين الجزائريين. والشّيخ أحمد ابن سعود السّيابي مدير مكتب الإفتاء بوزارة الأوقاف والشّؤون الدّينية العمانية. ومع المدير العام لمعهد العلوم الشّرعية الشّيح زياد بن طالب المعولي، الذي ركّز على مضاعفة الجهود في إيصال الكتاب المغربي إلى السّلطنة، وتفعيل التّواصل الثّقافي بين عمان والجزائر بخاصة.
ومن الجزائريّين المقيمين والموجودين بالسّلطنة نذكر سعادة سفيرنا الأستاذ الطّيّب سعدي، الذي تحدّثنا إليه وتحاورنا معه في موضوع مشاركة الجزائر في معرض مسقط الدّولي للكتاب، وتنشيط الفعل الثّقافي الذي يعرّف بالجزائر في فكرها وثقافتها. والدّكتور حوّاس مسعودي رئيس قسم اللّغة العربية بكليّة الآداب جامعة السّلطان قابوس، الذي يحظى بتقدير الجامعة والأساتذة والطّلبة، وقد شرّف الجزائر بعلمه وسلوكه.كما كانت لنا لقاءات مع جاليتنا في السّلطنة من الأساتذة والأئمة والطّلبة والعاملين فيها، الذين مثّلوا الجزائر أحسن تمثيل بأخلاقهم وأداء واجباتهم المهنية، ومثابرتهم في طلب العلم. فكانوا عناصر فاعلة في التّواصل بين الجزائر وعمان.ما نسجّله من إيجابيات في هذا المعرض الكبير، ملاحظات كثيرة مهمّة. منها:كانت الأمور واضحة في أذهان كلّ العارضين قبل القدوم إلى السّلطنة. كما كان وفاء لجنة المعرض بالتزاماتها التي قدّمتها في مطوية المعرض بارزًا، بل كانت اللّجنة تتعامل مع المستجدّات بمرونة كبيرة، بعثت الرّاحة والطّمأنينة والثّقة في العارضين، الذين أقبلوا على عرض كتبهم على الزّائرين بشعور مفعم بالحيوية والنَشاط والسّعادة والحبور، والأمان على معروضاتهم، والرّغبة في الحضور السّنوي في هذا المعرض المتميّز.     كما نشيد بحسن التّنظيم، وتقدير المفكّرين، واحترام العلماء، وتهيئة كلّ ما يحتاج إليه العارضون والزّائرون، ممّا يبعث الثّقة بين العارضين والقائمين على المعرض. نرجو أن يكون هؤلاء قدوة لنا، حتّى تُؤدّي معارضنا دورها، وتحقّق أهدافها الحقيقية السّليمة. ونرجو أن يستفيد منها مسؤولونا المكلّفون بالإشراف على معارض الكتاب في بلدنا الحبيب في المقام الأوّل.

القرارة يوم الإثنين: 09  من ربيع الأوّل  1429هـ 
        17  من مارس 2008م

الدّكتور محمد بن قاسم ناصر بوحجام

اسم الكاتب