يسجا* بن يوجين اليراسني**
(أبو مسور)
(أوخر ق: 3هـ / 9م)
من عظماء جربة بتونس. اسمه يسجا، وهي بربرية تعني: استقام.
ونسبته إلى قبيلة يراسن، وهي قبيلة بربرية استوطنت الأراضي الممتدَّة من «تِطَّاوين» إلى جبل نفوسة.
نشأ في رعاية والده يوجين، فحفظ القرآن وأخذ مبادئ العلوم في كتاتيب قريته. أراد له والده أن يواصل دراسته على نبغاء عصره، فألحقه بحلقة الشيخ أبي زكرياء يحيى بن يونس السدراتي، بشروس في جبل نفوسة، وكانت نفوسة آنذاك ملتقى العلماء وقبلة الطلاَّب، فاستغلَّ فرصة وجوده هناك ليتتلمذ على يد أبي معروف ويدرن بن جواد، فمكث عنده عشر سنين، توفِّي والده في السنة الأولى منها، فلقي بشظف العيش متاعبَ شتَّى، إلى أن تكفَّل به أحد النفوسيين بتحريض من شيخه فتحسَّنت أحواله.
وتعلَّم أيضًا مع أبي صالح بكر ابن قاسم عند أبي الربيع سليمان ابن ماطوس، «ثمَّ انتقلوا من عنده إلى موضع يقال له "سلام لك" يدرسون فيه زمانًا، ثمَّ إنهم رجعوا إلى ابن ماطوس ليعرضوا عليه ما قرأوا في تلك الكتب... ثمَّ اشتغلوا في عرض مسائلهم وتصحيحها في ستة أشهر، فرجعوا من عند ابن ماطوس إلى أهاليهم».
لمَّا أراد يسجا المسيرَ إلى أهله اشتغل بنسخ الكتب، وكان شديد الاهتمام باقتنائها.
عاد إلى جربة بعد إتمام دراسته في أواخر القرن الثالث الهجري، وعمره ثلاثون سنة، ومعه زوجه النفوسية، وابنهما فصيل.
عند حلوله بجربة استقبله سكَّانها بحفاوة، فأقام فيهم حاكمًا ومعلِّمًا طيلة خمسين عامًا، وصار مرجعًا للفتوى. وهو أوَّل من اشتهر بالعلم من بني يراسن.
تخرَّج عليه عدد كبير من العلماء منهم: أبومحمَّد ويسلان بن أبي صالح، أبو محمَّد عبد الله بن مانوج اللمائي، أبوموسى عيسى ابن السمح الزواغي، أبو محمَّد كموس.
لكثرة تلاميذه الوافدين من مختلف الجهات، خطَّط لبناء مسجد يلمُّ الشمل وينظِّم الحركة، فشرع في بناء المسجد الكبير لبني يراسن، إلاَّ أنَّ المنية عاجلته فلم يتمَّه، وأتمَّه ابنه فصيل، فصار المسجد جامعًا يخرِّج العلماء لعدَّة قرون.
من أعماله ومناقبه فضلاً عن بناء المسجد ما يلي:
- تأسيس مدينة “حومة السوق” بالجزيرة، بنى فيها مسجدًا للعبادة والتدريس، في أواخر القرن الثالث.
- الدعوة إلى الله بالحكمة، فرجع إِلىَ الوهبية، من كان بالجزيرة على مذهب الخلفية.
- مواجهة النكَّار، من زواغة ودمَّر ونفوسة، بالأناة والتريُّث، وكانوا يتربَّصون به الدوائر، فلم ينالوا منه مبتغاهم.
وهو بالإضافة إلى ذلك حلقة ذهبية في سلسلة نسب الدين عند المغاربة، ففي إسناد الإطرابلسيين: «فصيل عن والده أبي مسور عن أبي معروف».
ترك ابنين كان لكلٍّ منهما شأن عظيم، أما أحدهما فهو موسى «ورع، عابد، زاهد، مجتهد» توفِّي وهو شابٌّ صغير؛ وأما الآخر فهو فصيل، واضع الأسس النظرية لحلقة العزَّابة مع أبي عبد الله محمَّد ابن بكر.
ترك أقوالاً فقهية، وحِكَمًا كثيرة، ذكرت بعضًا منها كتب السير.
ويذكر القطب اطفيش أنه أصل نسب أولاد أبي مسور الذين جاؤوا من جربة أو نفوسة ونزلوا العطف، وهم الذين يحملون لقب «الحاج عيسى» - حاليا - من عشيرة آل الحجَّاج.
توفِّي في حومة قلاَّلة بجربة، وبها دفن، ولا يزال قبره معروفًا.
المصادر:
*أبو زكرياء: السيرة (ط.ت) 189-190، 239-242؛ 2/283 (ط.ج) 201، 251-254... *الوسياني: سير (مخ) 1/9-10، 27-29، 35-47، 66؛ 2/157 *الدرجيني: طبقات، 1/8، 116، 117، 157-159؛ 2/329، 336-339، 348، 353، 359، 393، 400، 478 *الشماخي: السير (مط) 230-232 (ط.ع) 2/32-33، 265، 345، 346 *ابن تعاريت: رسالة في تراجم (مخ) 54 *القطب اطفيش: الرسالة الشافية، 40، سالم ابن يعقوب: تاريخ جربة، 30، 70-77، 99، 101، 110 *علي معمَّر: الإباضية في موكب، ح3/77-83؛ ح4/322 *الجعبيري: نظام العزَّابة، 29، 73، 153، 165، 177 *الجعبيري: ملامح عن الحركة، 1-5 *المزاتي: سير (هامش المحقِّق) 74.
ملاحظات:
*ورد يشجا.
*ورد اليهراسني.