
علي عشي أستاذ مشارك
قسم التاريخ، جامعة باتنة / الجزائر
مقدمـة:
قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} (سورة الأنفال: 60).
كانت الهزيمة في طبنة أمام عمر بن حفص سنة 155هـ/ 771 م (1) نقطة تحول بارزة في تاريخ قيام الدولة الرستمية، فقد رأى عبد الرحمن بن رستم (ت 171 هـ / 787 م) أن ينسلخ عن قوى الصفرية المتضاربة التي لا تجمعها أهداف واحدة، وفضل أن يعمل بمفرده معتمدا على نفسه وعلى التجمعات الإباضية التي تقف حوله في المغرب الأوسط.
ورغم أن الدولة الرستمية (160- 296 هـ) /(776 -909 م) حظيت بدراسات عديدة في المشرق والمغرب(2)، إلا أنه تبقى بعض القضايا التاريخية التي تخصها تحتاج إلى تسليط الضوء أكثر والبحث فيها، ومنها قضية غياب الجيش الرستمي المنظم والذي أدى إلي سرعة سقوطها في يد أبي عبد الله الشيعي الفاطمي.
حيث تعتبر هذه القضية محيرة فعلا، حركت في داخلي دافع البحث في الموضوع، لعلي أتوصل إلى نتائج تساهم في إثراء التراث الوطني وتغيير بعض الأقوال والآراء التي ألصقت في التاريخ الإباضي الرستمي.
وهنا يجدر بنا طرح إشكالية مهمة وهي لماذا لم يهتم الرستميون بالجيش رغم تكوينهم لدولة قوية سيطرت على أغلب المغرب الأوسط وجزء من الأدنى؟
وتندرج تحت هذه الإشكالية تساؤلات ذات دلالة، منها لماذا سكتت المصادر الإباضية عن إمدادنا بمعلومات عن جيش الدولة الرستمية؟ (3) وهو ما جعل بعض المستشرقين منهم ألفرد بل(4) وأندري جوليان(5) من أوائل المؤرخين الذين أشاروا إلى غياب الجيش الرستمي، وقد دفعا بالعديد من المؤرخين الحاليين إلى اتباعهما بل ومحاولة تفسير نظريتهما، كيف استطاعت الدولة الرستمية الحفاظ على كيانها مدة تفوق المائة والثلاثين سنة دون جيش؟ كيف حافظت على حدودها المترامية الأطراف حتى طرابلس؟ وكيف عقدت علاقات ندية ذات سيادة مع مختلف الدول المجاورة والمعاصرة لها إن كان ليس لها جيش وقوة تفرض ذلك؟
لهذا قسمت موضوعي إلى أربعة مطالب رئيسية، أولها: تقديم مختلف الآراء الواردة في هذا الشأن، مع رد صغير على بعضها إن تطلب الأمر ذلك، ثم تطرقت في المطلب الثاني إلى مقومات وشروط إقامة جيش قوي، وقد وجدناها متوفرة كلها في الدولة الرستمية، فما المانع إذن من وجود جيش منظم، أما في المطلب الثالث فقد غصنا في خبايا ومكونات هذا الجيش وأهم المعارك التي خاضها، مع ذكر بعض الخطط الاستراتيجية والعسكرية التي قام بها، وفي المطلب الرابع أبرزنا أسباب تدهور الجيش في عهد الأئمة الأواخر، وهو ما جعل أغلب المؤرخين ينكرون وجود الجيش، ثم ختمناه بملخص لأهم النتائج المتوصل إليها من خلال خاتمة.
أما المنهج الذي اتبعته، فقد حاولت استقصاء المعلومات، واستنتاج الملاحظات من خلال مختلف أقوال شهود العيان، خاصة ابن الصغير، دون إهمال المنهج التاريخي السردي لأهم المعارك والأحداث التي تخدم الموضوع.
ولهذا أفادني كتاب ابن الصغير «أخبار الأئمة الرستميين» كثيرا باعتباره عايش الأحداث، إضافة إلى باقي المصادر الإباضية والرستمية، كأبي زكرياء، والدرجيني والشماخي...
وقد واجهتني صعوبات عدة أهمها شح المعلومات الخاصة بالجيش والجانب العسكري الخاصة بالرستميين مما جعلني أتجه إلى الاستقراء والاستنتاج.
المطلب الأول: أهم الآراء التي وردت في الجيش الرستمي
إذا كانت العصور القديمة تميزت باستخدام تقنيات ووسائل بسيطة في الدفاع والجيش، فإن العصور الوسطى قد تميزت بالفروسية كأهم نظام عسكري في البداية، ثم كان لاكتشاف البارود(6) أثر بالغ في اختراع الأسلحة النارية والمدفعية، مما أدى إلى تطور أساليب القتال(7)، ومن هنا يجب حصر الفكر العسكري المتمثل في الجيش ومقوماته وتنظيمه وتركيبه في إطاره الزماني والمكاني، فلا يمكن أن نقول بأن دولة ما لا تملك جيشا أو عدة وعتادا إلا بالرجوع للمقارنة والاستقصاء الخاص بتلك الفترة والعصر.
وأول من أورد نظرية أو فكرة افتقار الرستميين للجيش هو ألفرد بل الذي قال: «ووسط الرخاء الذي ساد حولهم، وفي هدوء علوم الدين الأثيرة لديهم لم يعد الأئمة الرستميون في تاهرت يفكرون في الحرب، وفي النضال الذي أتى في هذه النواحي بالمؤسس الكبير لدولتهم، وهو ابن رستم، وأهملوا العناية بإعداد جيش يقدر ولو على الدفاع عن بلادهم وعاصمتهم، ولهذا انهارت هذه في سنة 296- 297 هـ /909 م حين هاجمتها جيوش الشيعة المبتدعة بزعامة الداعي أبي عبد الله الشيعي»(8).
ولكن المتمعن في كلامه يستشف منه تناقضا، حينما قال مفسرا سبب عدم تكوينهم للجيش، هو هدوء العلوم الدينية لديهم، فلم يصبحوا يفكرون في الحرب، ويقصد من كلامه أن الرخاء الاقتصادي جعلهم ينشغلون بالعلوم الدينية من تفسير وحديث وقرآن ويهملون القتال، رغم أن من مبادئ الدين الإسلامي الجهاد في سبيله، وهي المبادئ التي خرج من أجلها الخوارج في البداية أصلا(9) فكيف يتم الآن إهمالها بسبب الدين وهو العامل الذي دفعهم للخروج أول مرة.
وقد سار أندري جوليان على نهج ألفرد بل بقوله: «...ولكن رغم توالي الصدامات فإنه يبدو أن مجتمع تاهرت لم تغلب عليه النزعة الحربية، ذلك أن المعارك لا تسيل فيها الدماء كثيرة، فلا ملاحقة في الغالب للفارين ولا إجهاز على الجرحى، بل كان الخصوم يجنحون إلى التحكيم، وكان هذا ولا شك السبب في زوال مملكة بني رستم، ذلك أن الأئمة لم يوفقوا إلى تنظيم جيش عتيد، وما كادت جيوش الشيعة أن تشن هجومها حتى استولت على العاصمة من دون عناء»(10).
ونستشف من كلامه أن المجتمع التاهرتي الإباضي لم تغلب عليه النزعة الحربية، وهذا طبيعي لسببين: أن المذهب الإباضي مذهب معتدل سلمي يحرم الاعتداء على الأسرى والجرحى. والسبب الثاني: كون أغلب أئمة الرستميين من العلماء والفقهاء، لا من العسكريين الذين يعوضون النقص المعرفي بالقوة الجسدية، فتغلبت القوة العقلية على قوة السيف، وهذا كله لا يعطينا تفسيرا واضحا لأنه كم من عالم فارس، وكم من مجتمع مسالم إلا أنه لم يهمل إنشاء جيش قوي.
وأندري جوليان يجزم أن هذا السبب هو الذي دفع بالدولة الرستمية إلى الهلاك والزوال، حيث لم يوفق الأئمة الرستميون في تكوين جيش عتيد، وهنا نتوقف قليلا لوصفه هذا الجيش بالعتيد، فهي سنة الله في خلقه حيث كيف يطالب من دولة في أواخر أيامها من فوضى وصراعات على السلطة وتفرقة عصبية قبلية(11) أن يكون لها جيش عتيد، وهنا يلمح إلى أن الجيش كان موجودا لكنه ضعيف على حال الدولة وأيامها الأواخر.
أما الشيخ العلامة علي يحيى معمر النفوسي (ت 1400هـ/ 1980م) فيقول: «فالدولة الرستمية هي الدولة الوحيدة في ذلك الحين، التي ليس لها جند قابع في الثكنات، ينتظر التعليمات، ويحلم بالمكاسب والغنائم من وراء الحرب والغارات»(12).
ورغم أنه إباضي من معقلهم الأصلي جبل نفوسة إلا أنه أصدر الحكم بغياب جيش يتمركز في الثكنات وله تدريبات خاصة وراتب محدد يكفل به عائلته وحاجاته ما دام لا يعمل، بل عمله الوحيد هو التدرب والحفاظ على تركيزه ونشاطه العسكري، وهنا نريد أن نوضح أن أغلب الدول التي عاصرت الدولة الرستمية كبني مدرار أو الإدريسية وبرغواطة لم يكن لهم جيش نظامي متركز في الثكنات، باستثناء الدولة الأغلبية، إذن فهي حالة عامة ومظهر جلي على كل دويلات المغرب المستقلة.
المطلب الثاني: مقومات توفر جيش قوي:
ومن بين الأقوال التي وجدتها أقرب إلى الحقيقة قول شيخ بكري: «أن الرستميين لم يكن لهم جيش منظم في البداية، ولكن ابتداء من الإمام الثاني أصبحوا يملكونه، وإن كان صغيرا، ثم أن جيشهم لم يكن له دور بارز»)13(.
وهو قول مقبول حيث عندما نزل عبد الرحمن بن رستم من جبل سوفجج التفَّت حوله القبائل الإباضية، وشكل منها جيشا متطوعا، حيث يشير ابن الصغير عند حديثه عن وفد البصرة القادم على عبد الرحمن بالمساعدة المادية حيث قسموا الأموال، فجعلوا منه ثلثا في الكراع – يقصد به هنا الخيل – وثلثا في السلاح وثلثا في الفقراء(14). والسلاح والخيل دليل على وجود جيش؛ لأنه يعد الركيزة الأساسية التي تستند إليها الدول عادة في تثبيت كيانها ورعايتها، سواء على المستوى الداخلي بحفظ النظام ودفع السكان إلى الالتزام بالأوامر والقوانين التي تسيرهم، وعلى المستوى الخارجي بصد الأخطار التي تهددها، ورد الأعداء الراغبين في التوسع على حساب أراضيها.
لكن ابتداء من الإمام عبد الوهاب (171 – 211 هـ)/ (787 – 826م) أصبح الجيش النظامي موجودا رغم عدم وصوله مصاف الجيوش القوية إلا أنه استطاع أن يخمد كل الثورات التي ثارت ضده، حيث سمى ابن الصغير أتباع عبد الوهاب بالوهبية وقال: إنهم يسمون أيضا بالعسكرية وهم أهل العسكر، ويضيف أن جل من كان بتيهرت من النفوسيين يتسمون بهذا الاسم، فلا شك أن تكون هذه التسمية وظيفية وليست مذهبية، ويقصد بهم حماة الرستميين والإباضية، ولا أدل على ذلك من قول الإمام عبد الوهاب: «إنما قام هذا الدين بسيوف نفوسة وأموال مزاتة»؛ فنفوسة إذن كانت جندا وعسكرا للإمامة الرستمية(15).
ويشير دائما ابن الصغير (كان حيا أواخر القرن 3هـ) إلى أن الإمام عبد الوهاب خرج بجيش من الإباضية عد في عسكره ألف فرس أبلق لقتال بني أوس من هوارة(16). ويضيف الدكتور إحسان عباس قوله: «أن الصبغة العسكرية غلبت على عبد الوهاب، لحاجته إلى القضاء على الفتن وتوطيد أركان الدولة، بل والطموح إلى التوسع الخارجي، حتى اجتمع له من الجيوش ما لم يجتمع لأحد قبله»(17).
وبالنسبة للدكتور بحاز في كتابه الدولة الرستمية، فقد مر على موضوع غياب الجيش مر الكرام بتكرار نفس كلمات من سبقوه بقوله: «ثم يضاف إلى هذا كله – يقصد أسباب سقوط الدولة – عامل فقدان الجيش المنظم، إذ إن الرستميين أهملوا هذا الجانب رغم الفتن والثورات والحروب التي مرت بهم، وبقوا طوال عهدهم يعتمدون على المتطوعين الذين يكونون غالبا من الإباضية»(18).
فهو يقر أن الدولة بقيت في حروب وفتن عكس ما ادعاه ألفرد بل وأندري جوليان بقولهما: إن الهدوء والاستقرار ساهم في الابتعاد عن الجيش، كما أن الدكتور بحاز يذكر بقاء الحروب والفتن(19) التي تتطلب وجود جيش يفرض النظام واستمرار الدولة فكيف يعقل أن تستمر الدولة كل هذه المدة في الفتن والحروب دون وجود جيش؟ .
أما محمد عيسى الحريري، فقد اكتفى بنقله كلام ألفرد بل وأندري جوليان، بقوله: «...عجز الرستميين عن اتخاذ خطوات عملية لإنقاذ نظامهم السياسي، لأن الرستميين لم يكن لديهم جيش ثابت يواجه هذه الأطماع، الأمر الذي دعاهم إلى اللجوء إلى الأساليب الملتوية كالتجسس(20)، وتقديم الرشاوى(21)، والخداع فضلا عن الاغتيال السياسي * »(22).
لكن ما يعاب على هؤلاء الكتاب الاعتماد على أقوال المستشرقين دون تحليل أو تمحيص فلا تخلو دولة من الدول سواء الحديثة أم القديمة من هذه المظاهر، وذلك من أجل تدعيم أركان الدولة وإزاحة كل المخالفين والمعارضين، وحتى هذه الأعمال لا تنفي وجود جيش نظامي للدولة قد يكون قليلا أو غير منظم بالشكل المطلوب لكنه موجود.
وحتى الدول المعاصرة للدولة الرستمية لم يكن لها جيش ثابت نظامي، باستثناء الدولة الأغلبية التي استمدته كونها الممثلة الوحيدة للخلافة العباسية ذات التراث الحضاري والعسكري القديم، فإذا نظرنا إلى دولة بني مدرار أو دولة الأدارسة، فلا وجود لجيش حربي نظامي بالمعنى الحقيقي، ولا يمكن أن نطلق حكم غياب الجيش الرستمي؛ لأن أبا عبد الله الشيعي دخل تيهرت وخربها دون مقاومة، لأن كل دويلات بلاد المغرب سقطت في يده وبكيفيات متقاربة رغم بعض المقاومات البسيطة، إلا أنه لم يتم الحكم على غياب الجيش الأغلبي أو الادريسي.
وكما هو معروف فنشأة الدولة عموما ليس سوى خطوة جديدة من خطوات عديدة في سبيل تحقيق الرفاه الحضاري من نشاط عمراني واقتصادي وحتى عسكري، فكيف بدولة نشأت على الجهاد(23) أن تتركه وتتلهى بالحياة؟!.
ومن أهم المعارك التي خاضتها الدولة الرستمية وترمز إلى وجود جيش منظم وقوي معركة طبنة سنة 155هـ/ 771م ضد عمر بن حفص(24) ومعركة عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ضد يزيد بن فندين وأتباعه النكارية سنة 172هـ / 787– 788م(25) ثم ضد الواصلية من بني يفرن وبعض النكار، مع مساندة خارجية من الأدارسة، وكان ذلك سنة 173هـ/789م، حيث دارت بين الفريقين معارك كانت الحرب فيها سجالا بين الطرفين(26)، ثم حارب تجمعات قبائل مزاتة وسدراتة بعد تحريضهم من الواصلية(27)، كما حارب عبد الوهاب قبيلة هوارة عند نهر أسلان وانتصر عليها انتصارا كبيرا(28)، وحاصر طرابلس سنة 196هـ/ 811م، مما اضطر عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب إلى عقد صلح واعتراف بسيادة الرستميين على المناطق الداخلية من طرابلس(29) وغيرها من الحروب، مع العلم أن حروب الدولة الرستمية دفاعية أو تأديبية بقمع العصاة والمتمردين، فهي جهاد فيه أجر كبير، فكل الرعية ترغب فيها، وكل من يستطيع حمل السلاح يسارع إليها(30).
كما أنه كيف يعقل لدولة أن تصل حدودها لتشمل أغلب المغرب الأوسط وجزءًا من الأدنى دون جيش؟، بل أكثر من ذلك قاموا بتقسيم دولتهم إلى عمالات منها قفصة وسرت، ونفزاوة وقنطرارة، وجبل نفوسة، وقابس وجبل دمر....(31). كما وضع عبد الرحمن بن رستم نظاما للقضاء والشرطة وجباية الأموال(32)، وواصل على نهجه خلفاؤه من الأئمة حيث أسس الإمام أبو اليقظان (241–281هـ) / (855–894م) فرقة كاملة للقيام بأعمال الحسبة(33)، فكيف بدولة اعتمدت على أنظمة محكمة استمدت بعضها من الأنظمة الفارسية والأخرى من العربية لا تهتم بإيجاد جيش قوي يحمي هذه الدولة وهذه الأنظمة وهذه الحدود المترامية؟ .
وكيف للوالي العباسي في القيروان روح بن حاتم (ت 174هـ/ 791م)، أن يعقد معاهدة سلام وموادعة مع عبد الرحمن بن رستم عام 171هـ /787م(34) وهو ألد الأعداء له، إذا لم يكن قد أنس منه قوة تحميه وتحمي دولته، بل حرص على تجديد المعاهدة بعد وفاة عبد الرحمن بن رستم مع ابنه عبد الوهاب(35). ويضيف محمد عيسى الحريري: «وأصبحت الدولة الرستمية دولة قوية هابها جيرانها...»(36)، فالهيبة لا تأتي من فراغ بل من قوة يجسدها جيش قوي، كما يوضح محمد علي دبوز بقوله: «وكانت الدولة الرستمية أقوى دولة حربية في الجهة الغربية، فهي التي حمت الدولة الإدريسية، فلم يسر العباسيون للقضاء عليها، ولم يستطيعوا الدنو من حماها»(37).
فمن مقومات وجود جيش لدولة ما خلال أي فترة زمنية هو توفر العدة والعدد والمال(38)، إضافة إلى القيادة الحكيمة والظروف المتوترة وكل هذه المقومات موجودة في الدولة الرستمية.
فإذا بدأنا بالعدد والمقصود به توفر العنصر البشري، فنجد الجيش الرستمي تكونه مختلف قبائل التحالف الإباضي وأساسه في البداية لماية ثم نفوسة(39). ثم بقية القبائل الإباضية البربرية المتحالفة كلواتة وهوارة وزناتة، ومطماطة. فيقول محمد علي دبوز: «وكانت قبيلة لماية وحدها، وهي قبيلة متوسطة في المغرب الأوسط إذا استنفرت للحرب تجند ثلاثين ألف مقاتل منها، وكانت هوارة ولواتة ومطماطة وغيرها من القبائل الكبرى تجند في النفير العام أكثر من ذلك»(40).
أما بخصوص القيادة الشجاعة والحكيمة، وهذه صفة فطرية، وهبة من الله، تلعب الوراثة - كما يقول علماء النفس- دوراً كبيراً في نقلها من السلف إلى الخلف، وتعطيها لإنسان وتحرم منها آخر، وقد تتجلى الشجاعة في الجسد عند أناس، أو تتجلى في الرأي والفكر عند أناس آخرين، ولما كانت هذه الشجاعة فطرية فإن الأحداث والأيام والمعارك تنمِّيها وتصقلها. وممارسة الحرب، وخوض المعارك من شأنها أن تؤصل الشجاعة في الشجاع، وتؤكد فيه نزعة الإقدام، ومبارزة الخصوم، بقلبٍ جسور، وعزيمة صادقة(41)، وهذه الخصائص تركزت في عبد الرحمن بن رستم وفي أبنائه وأحفاده من بعده كعبد الوهاب وأفلح، خاصة حسن الوعي بالمهمة الملقاة على عاتقهم المتمثلة في الحفاظ على الدولة، وتوصيل رسالتها في الحفاظ على المذهب الإباضي.
وفي هذا الشأن يقول محمد علي دبوز: «وقد اشتهرت في كل عهودها برجال كانوا فرسان المغرب وأبطاله العظام، منهم أيوب بن العباس في زمن الإمام عبد الوهاب، والعباس بن أيوب ابنه»(42)؛ وقد حدَّث أيوب عن نفسه من غير مباهاة ولا مبالغة فقال: لا أعلم لي مقابلا يبارزني فيما بين مصر وفارس(43) يعني في المغرب الكبير كله، ومن فرسان المغرب في الدولة الرستمية أفلح بن عبد الوهاب، وقد بلغ من بطولاته وشجاعته أن انتزع دفة من باب تيهرت، حاول جمهور من أهل المدينة ردها في مكانها فلم يقدروا... ومن فرسان المغرب في الدولة الرستمية كذلك بكر بن يبيدي، وبكر بن عبد الواحد، وكان من جيش أبي حاتم آخر الأئمة الرستميين، قال ابن الصغير: «وكان الخارجون مع أبي حاتم حماة البلد منهم رجل يعرف ببكر بن يبيدي»(44).
ومن العناصر المدعمة أيضا لوجود الجيش هو انتشار الصناعات المكملة، أو ما يعرف بالتسليح الحربي، والتي لها علاقة بما يحتاجه هذا الجيش، ويقوم الإعداد المادي للجيش خلال هذه الفترة على أربعة أسس هي: العنصر البشري، المال والمواد من حديد وخشب(45).
وأغلب هذه المقومات موجودة عند الدولة الرستمية، حيث يوجد حدادون ماهرون سواء أكانوا محليين أم أندلسيين، اهتموا بصناعة السيوف والسهام والخناجر والدروع(46) وكان لتوفر المواد الخام اللازمة لمختلف الصناعات أثره في وفرتها، كما تعددت المناجم التي أمدت الصناع بحاجاتهم ولوازم صناعتهم، ففي جبل أرزوا توفر معدن الحديد والزئبق(47) كما توفر معدن الحديد بالقرب من وهران(48)، وحتى الصناعات الخشبية التي تميز بها شمال الدولة الرستمية مقارنة بجنوبها نظرا للطبيعة الجغرافية، ساهمت بشكل في تكوين قوة بحرية(49) أو مجموعة بحرية ولو بسيطة سواء لنقل الأشخاص بين سواحل الدولة أو نحو الدولة الأموية بالأندلس، أو في جزيرة جربة(50).
ولعل توسع الرستميين لرقعتهم الجغرافية شرقا، وضمهم لجبل نفوسة وجزء من طرابلس ساهم بقدر كبير في تموين الجيش عددا وعدة ومالا، وسمح لها بالاستفادة الدائمة من عديد الوسائل الحربية حتى الجديدة منها لانفتاح هذا الجزء على البحر وقربه من الدولة الأغلبية وكذا مصر.
إضافة إلى توفر الموارد المالية التي تدعم إنشاء جيش قوي من خلال التجارة المتطورة والرفاه الاجتماعي(51) الذي صبغ الحكام والناس خاصة بعد عبد الرحمن بن رستم، إضافة إلى الضرائب التي كانت تدفعها القبائل خاصة نفوسة – حصة الأسد – إلى بيت مال المسلمين(52)، جعلت الرستميين يشترون الخيول ليجعلوها من عتاد الحرب الذي يعتمد عليه جيشهم، ونستشف ذلك من قول ابن الصغير: «...قال: ثم جالت الخيول فكان قتال شديد له غبار سد ما بين الخافقين، قال: وعبد الوهاب ينظر يمينا وشمالا أو قلبا، فإذا صرف نظره ذات اليمين رأى فارسا فيقول: من الفارس هذا قد أجفل الناس؟ فيقال له ابنك أفلح»(53).
كما أن المساعدة المالية من قبل إباضية المشرق، حيث قال أبو زكرياء (ت 471 هـ / 1078 م) «...فأشاروا عليه أن يأخذها – أي المساعدة المالية – فيبثها في فقراء المسلمين وفي شراء السلاح والعدة...»(54).
وتستند الدولة الرستمية في إعداد جيوشها على اقتطاع جزء من ميزانية خاصة للتعبئة، فبحجم زيادة المداخيل أو نقصانها ينعكس على هذا الجهاز إيجابا أو سلبا، وبها تتحدد قوته وفعاليته.
ولا ريب أن الدولة الرستمية قد استغلت هذا الثراء، في سند الدعوة، بل تعدته إلى المجالات العمرانية كبناء المستشفيات(55)، والعسكرية مثل: الإنفاق في شراء الأسلحة وبناء الحصون وتسديد رواتب الجند(56). وأقول هذا على سبيل التقدير والاستنتاج لأن مصادرنا نفسها كانت صريحة في التحدث عن استغلال تلك الثروات الطائلة في الصراع بين فئات المجتمع التاهرتي.
أما الجو السائد في الدولة الرستمية فقد كان جوا متوترا في أغلب فترات الحكم كان يشجع على استمرار التفكير في إنشاء جيش قوي من خلال التوتر الذي كان في البداية مع الأغالبة(57) ثم المساندة الإدريسية لبعض المعارضة الداخلية(58)، أو الثورات المحلية ضد الحُكم أو لأسباب فقهية دينية(59) أو لأطماع سياسية أو اقتصادية كالسيطرة على أراضي الكلأ والرعي.
المطلب الثالث: تركيبة الجيش الرستمي
وبناء على كل ذلك يمكن أن نستنتج بأن الجيش الرستمي كان قوام تقسيمه لا يخرج عن النظام التقليدي الذي اعتمدته كل الدول الإسلامية المعاصرة لها سواء في المشرق أو المغرب، في تقسيم الجيش ثنائيا إلى قسمين:
أ- جيش نظامي:
قوامه العناصر التي اتخذت الجندية مهنة قارة، مشكلة بذلك النواة القاعدية للجهاز العسكري للدولة، ويقر الدكتور إحسان عباس بوجوده، لكنه ضعف في العهد الأخير للدولة بقوله: «ويبدو أن الجيش النظامي الذي كونه الإمام عبد الوهاب، كان قد ضعف أو مزقته الانتماءات المتضاربة»(60).
ونستشف من قول ابن الصغير في وصفه لازدهار بنيان تيهرت في عهد أفلح، بقوله: «وكانت العجم قد ابتنت القصور، ونفوسة قد ابتنت العدوة، والجند القادمون من إفريقية قد بنت المدينة العامرة اليوم»(61). فقد وصف مهنتهم بالجندية وهو دليل على وجود جيش نظامي ثابت، ليواصل ابن الصغير في وصفه لأحوال إمامة أفلح: «...وكانت الأجناد بطانة السلطان وأولاده وحشمه...»(62)؛ فهو يستدل بوجود جيش يحمي أسرار الدولة من خلال وصفه بالبطانة، وهي السريرة والأهل والخاصة، كما يقول في موضع آخر عندما يشرح سياسة أفلح وهي فرق تسد: «...فلما رأى ذلك أرشى ما بين قبيلة ومجاورها، فأرشى بين لواتة وزناتة وما بين لواتة ومطماطة وما بين الجند والعجم...»(63) وفي هذا الموضع أيضا يذكر الجند كوظيفة في الجيش، حيث بمرور الزمن انضاف إلى هذه الجيوش جند هاجروا من إفريقية(64).
فكانت القوات النظامية أساسها القبائل المستقرة بتيهرت وضواحيها كقبيلة لواتة، ولماية، وزناتة، ومطماطة، وهوارة إضافة إلى العجم(65) والعرب من الكوفيين والبصريين، وأهل إفريقية(66). ونفوسة المهاجرة ويقول محمد دبوز: «وكانت كل قبيلة تسلح نفسها، وتستعد للحرب، لتستجيب داعي الإمام إذا استنفرها، ودعاها لحروبه المشروعة»(67)، وهو دليل قاطع على وجود التسليح والتدريب في كل قبيلة واستعداد تام لأي حرب، وهو ما يرمز لوجود جيش نظامي.
ويلخص ذلك أستاذنا الكبير عبد الرحمن الجيلالي صراحة بأن الجيش الرستمي كان متكونا من العرب والعجم والبربر(68).
ويظهر أن العرب من خلال كتاب ابن الصغير قد مثلوا فئة في الجند، لكنه لا يوضح صراحة من أين جاء العرب، بل نفهم من ثنايا الكلام أنهم من الكوفيين والبصريين وأنهم أقاموا أحياء وأسواقا ومساجد خاصة بهم، ثم يتحدث عن أهل إفريقية وأنهم كانوا من الجند، ويربط في حديثه عن الفتنة- التي حدثت على عهد أفلح - دائما بين العرب والجند كأنهم فئة واحدة(69).
وبما أن الجيش يشكل من المجتمع التاهرتي، الذي هم نوعان، مستقرون داخل تيهرت ورحالة يقيمون خارج المدينة، وعلى رأس المستقرين قبيلة "نفوسة" التي مثلت في وقت من الأوقات العصب الأساسي للدولة، وأصلها من نفوسة الجبل هاجرت إلى تيهرت، أما قبيلة لواتة فمنذ مصاهرتها للإمام عبد الوهاب أضحت تلعب دورا مهما في الحياة السياسة(70)، إلى أن طردتها هوارة من مدينة تيهرت، فسكنت حصنا لها معروفا(71)، ونستنتج من هذا الحادث أن هوارة كانت خارج تيهرت ثم دخلتها، كما يتحدث ابن الصغير عن صنهاجة أنها كانت في صف العجم(72).
ب- جيش غير نظامي:
قوامه الرحَّل، وتمثله القبائل التي تقصد تيهرت وضواحيها لانتجاع الكلأ، في أيام الربيع(73) والمتطوعون، أو الأطراف المتحالفة مع الدولة من مختلف القبائل، فهم ينضوون تحت لواء التشكيلة العامة للجيش في حالة الحرب فقط، ويسرحون في حالة السلم(74)، وقد حدد ابن الصغير الرحَّل، فمنهم مزاتة وسدراتة حيث يقول: «إن قبائل مزاتة وسدراتة وغيرهما، كانوا منتجعين من أوطانهم التي هم بها من المغرب وغيرها من أشهر الربيع إلى مدينة تيهرت وأحوزها لما حولها من الكلأ»(75).
وفي الأزهار الرياضية يشير إلى المهمات الظرفية للجيش بقوله: «ثم شرع الإمام في شراء الكراع والسلاح، وقوي بيت مال المسلمين بالذخائر الحربية ومهمات الدفاع الوقتية، وتقوى الضعيف وانتعش الفقير...»(76)، حيث يشير الباروني إلى أن هناك مهمات الدفاع الوقتية أي التي تتغير من وقت إلى آخر، وعادة ما تظهر في فترة الحرب.
ويخصص للقسم الأول ـ أي الجند النظامي ـ رواتب تمنح لهم شهريا أو مخصصات يومية بطريقة منتظمة، في حين يحصل القسم الثاني على جزء من الغنائم، بناء على اتفاق مسبق يتم بين الدولة والمتحالفين معها من القبائل المختلفة، على غرار قبيلة لواتة وهوارة وصنهاجة(77).
كما أنه يمكن استنتاج أن الجيش الرستمي امتاز بالتنظيم، وقوة التعبئة خاصة في الفترة الأولى من حكم الأئمة العظام، حيث تجيب عنه الأحداث عندما قاد عبد الرحمن بن رستم جيشا من الإباضية قوامه خمسة عشر ألف مقاتل لحصار طبنة أثناء الصراع مع أبي الحوص القائد العباسي في إفريقية(78).
ثم ازداد الجيش تنظيما في عهد عبد الوهاب حيث يذكر ابن الصغير بقوله «...فعبأ عبد الوهاب عسكره، ورتب قواده...»(79)، كما يضيف ابن الصغير بقوله: «...ثم تقدم قدما وهو في ذلك كله قاصدا بكتيبته نحو عدوه... فلم يزل كذلك وعلى ذلك حتى فض جميع القوم بكتيبته»(80). ونستنتج من قوله أن الجيش كان ينظَّم في كتائب يعيَّن على كل كتيبة قائد، أو يقسَّم إلى طلائع حسب طبيعة جيش العدو(81).
كما يمكن أن نستنج آلاته، ووسائل دفاعه من استخدام للسيوف(82) والدروع(83) وحتى النبال(84) وبنى الحصون(85) والقلاع، والبروج الحربية(86)، واستخدم الخيول(87) واتخذ الرايات(88).
أما القيادة العامة للجيش فتعتبر من المسؤوليات الكبرى في الدولة، نظرا لإسناد هذه المهمة لرجل كفء، فكان اللجوء إلى الاختيار الدقيق لقياداته أمرا بالغ الأهمية، لما يتحمله القائد من مسؤوليات في اتخاذ القرارات الصائبة، التي تجعل منه عنصرا فاعلا، يتصرف بحنكة عالية عند كل طارئ يعترض جيشه، وفي أغلب الأحيان كان الأئمة الرستميون يتولون قيادته العليا بخروجهم على رأسه، كما هو الحال مع عبد الوهاب(89) وأفلح، خاصة في الفترة الأولى لتثبيت أركان الدولة وتدعيمها، أو قد يكلفون واليا من ولاة الأقاليم التابعة للدولة كإقليم نفوسة أو طرابلس(90)، أو يكلفون قاضي المنطقة بذلك(91) خاصة في فترات السلم أو في الفترة الأخيرة من ضعف الدولة الرستمية.
وبخصوص تعداد الجيش: فقد امتلك الرستميون جيشا كبيرا في أغلب الفترات الأولى، اتسعت نشاطاته لتشمل حواضر الدولة كلها، إلى جانب مهمته الرئيسية في تأمين الحدود، كما حدث في عهد الإمام عبد الوهاب الذي هدم المدينة الأغلبية الجديدة خوفا من غاراتهم القريبة، أو لفرض الأمن والاستقرار داخل الدولة بالتحكم في القبائل وفض النزاعات والمعارضة، مما جعل المصادر تذكر بعض تعداده بقولها: «جمع عبد الرحمن بن رستم خمسة عشر ألفا»، أو قول ابن عذارى «أن نفوسة منعت إبراهيم بن أحمد الأغلبي وكانت في عشرين ألف فارس»(92)، أو قول ابن الصغير: «فاجتمع إلى عبد الوهاب أمم كثيرة وخلق عظيم»(93)، وقوله: «خلق عظيم» يبين مدى تعداد الجيش.
ورغم أن أغلب المصادر تميل إلى تضخيم الأعداد إلا أنها عموما تعطينا صورة عن الجموع الإباضية المجندة والزاحفة للقتال، وهذا يبرز بوضوح اتباع الرستميين لأسلوب التعبئة والدعوة للنفير(94) والجهاد حتى الاستنجاد بالقبائل المتحالفة.
وحتى الباروني يصف جيش أبي اليقظان بقوله: «فأمدوه ملبين دعوته عرمرم جامع لكل همام»(95)، حيث يصفه بالقوة، رغم أنه لم يحدد عدده كما فعل ابن الصغير، واكتفى بنعته بجموع عظيمة، غير أنه ما يفهم من سير الأحداث أن هذا الجيش كان من القوة ما جعله يرجح كفة أبي اليقظان مع القوة المضادة له، وكان أغلبه من قبيلة نفوسة التي قدمت يد المساعدة ولبت نداء الاستنجاد، ولم تتحدث المصادر الإباضية عن عودة جيش نفوسة إلى الجبل بعد انتهاء مهمته في تثبيت حكم أبي اليقظان والقضاء على الفتنة(96).
ويقول محمد علي دبوز: «وقد خرجت هوارة يوما للحرب فعدوا في جندها ألف فارس أبلق – وهو الذي يجتمع فيه سواد وبياض، وهو نوع لا يكثر وجوده في الخيل – أما غير ذلك من ذي اللون الكثير فأضعاف هذا»(97).
أما بخصوص الخطط العسكرية، التي تعد أحد أهم الدعائم الأساسية للفن الحربي، إذ يعد النشاط العملي للجنود في المعركة، ويعرف بفن خوض المعارك، أي مهارات توزيع المقاتلين في ميدان المواجهة باستعمال مختلف الأسلحة والوسائل المتاحة للمناورة عسكريا وسياسيا، لتكبيد العدو أكبر قدر من الخسائر، وتجنب دفاعاته المضادة قدر المستطاع(98).
فمن أهم الخطط العسكرية والحربية، الطريق الذي اتبعه عبد الرحمن بن رستم للهرب من القيروان إلى جبل سوفجج رفقة ابنه عبد الوهاب، ثم تحصنه به(99)، وتفطن عبد الوهاب لخطة يزيد بن فندين للفتك به(100)، واستنجاد الإمام عبد الوهاب بإباضية نفوسة، والدهاء العسكري الذي جعله يطلب منهم أربعمائة نفر، منهم مائة من الفرسان للمبارزة، ومائة مفسر، ومائة متكلم، ومائة فقيه عالم بفنون الحلال والحرام، لأنه درس جيدا عدوه من الواصلية(101) وأثناء حصار الإمام عبد الوهاب لطرابلس استخدم عدة خطط عسكرية، ورغم أن المؤرخين لم يذكروها إلا أن الشماخي (ت: 928هـ) يشير إلى أن عبد الوهاب وجد متاعب كثيرة في أثناء الحصار بسبب عدم التكتم على الخطط العسكرية في معسكره(102).
وفي نفس النص لأبي زكريا الذي يتحدث فيه عن ثورة ابن فندين تبين لنا أن الجيش كان يقسم في بعض الأحيان حسب الحاجة، أو المعركة حيث خرج عبد الوهاب بجيشه من مدينة تيهرت، لكن ابن فندين تفاجأ بجيش آخر بقيادة ابن الإمام أفلح موجود بالمدينة ويدافع عنها مستخدما في جمعه أسلوب النفير(103)؛ لأنه لا يعقل المغامرة بكامل القوات في مواجهة واحدة، وترك المخاطر تهدد كيان الدولة في حال الهزيمة أو استغلال أطراف أخرى لتلك الظروف لصالحها.
أما في إمامة أفلح فقد وقعت معركة بين جنده بقيادة أبي عبيدة عبد الحميد والمنشق عنه خلف بن السمح، استخدم فيها خططا عسكرية مهمة، ذكرها الدرجيني (ت 670هـ / 1271م) بقوله: «...فلما قرب عسكره عسكر أبي عبيدة، تقدم رجل من أصحاب خَلَف ممن يرى تصويب أبي عبيدة وأصحابه تميل نفسه إليهم ويشفق عليهم، فقال لأبي عبيدة: تنح بأصحابك إلى سفح الجبل فإن كانت الدائرة لكم أدركتم ما رجوتم، وأمنتم ما خفتم، وإن تكن عليكم كنتم في حصن ولا يضركم ذلك، فقال أبو عبيدة لأصحابه: هذه نصيحة قد أخرجها الله من عدوكم وعدوه، فأمر أصحابه بالتنحي، وأسندوا ظهورهم إلى الجبل، فظن خلف أن ذلك عن جبن وهلع... فاقتتلوا قتالا شديدا وذلك عشية الخميس الثالث عشر من رجب سنة 211هـ/ 826م...وانهزم أصحاب خلف»(104).
كما وضعوا خطة عسكرية محكمة ضد عبيد الله الفاطمي عندما حاصر ورجلان سنة 297هـ/ 909م وحاول منعهم من الماء حتى يهلكوا عطشا عندما وضعوا قِصعا كبيرة وملؤوها زيتا ونصبوها على مواضع يراهم أهل العسكر، وجعلوا كأنهم يمنحون الماء ويصبونها للجمال تشرب، وكلما ضربت الجمال رأسها لتشرب وجدته زيتا فقنعت برؤوسها، وتنفض مشافرها، وتنثر أنوفها، فقال العسكر ما هذا إلا عن ماء جم، ففيم المقام؟ وارتحلوا(105).
المطلب الرابع: أسباب تدهور الجيش الرستمي:
وعموما يمكن تفسير أسباب تدهور الجيش في عهد الأئمة الأواخر إلى:
* يلخصها عبد الرحمن الجيلالي بقوله: «إن أكبر عامل في سقوط هذه الدولة هو اختلاف الكلمة بين الحكومة والشعب، وما انتشر عن ذلك يومئذ من الفتن والاضطرابات التي أضعفت من هيبة الحكومة أمام رعيتها، فتضعضعت بفقد جندها الحامي، مع إهمالها لتقوية الجيش»(106).
* تحطم قبيلة نفوسة التي كانت العمود الفقري للدولة في موقعة مانو(107) سنة 283هـ/896م ويعتبر النفوسيون الدرع الواقي للدولة والمادة العسكرية الأساسية، لهذا قال عنها الإمام عبد الوهاب: «إنما قام هذا الدين بسيوف نفوسة وأموال مزاتة»(108).
وأمام هذه الضربات المتلاحقة، انهارت نفوسة التي كانت تشكل عصب الدولة الرستمية الحساس، ولم تعد لها تلك القدرة الغنية على مواصلة إمداد تاهرت اقتصاديا وعسكريا(109)، ومنذ ذلك العهد لم تعد نفوسة توافي الرستميين بالإمدادات، وكان لذلك أعظم الأثر في ضعف الجيش الرستمي واضمحلال الدولة(110).
*ولعل سبب عدم تكوين جيش لها في الفترة الأخيرة يعود إلى كثرة القبائل المنضوية تحت لواء الإباضية مما يصعب حتما جمعهم تحت قيادة واحدة وجيش واحد، وبضعف الأئمة تفشى نفوذ العصبيات القبلية، والطوائف المذهبية، حيث ازداد أثر هذه الطوائف، وخاصة في أواخر عصر بني رستم(111)، حيث عجز الأئمة الأواخر على التوفيق بين مختلف القبائل، ودارت الصراعات بين محاور متنوعة، تمثل مصالح القبائل المتعددة، فكثرت ضروب الولاء وأنواع التحالفات، بحسب ما تمليه المصالح، فكان مما حال دون انصهار هذه العناصر – في وحدة عسكرية واحدة – لتشبثها بانتماءاتها القديمة، بل لجأ البعض نتيجة الحذر إلى بناء حصون يأوون إليها في أيام الفتن(112).
* كما كان من الصعوبة بمكان اختيار الإمام ليجمع كل هذه المتناقضات القبلية، دون أن يكون ذلك لقبيلة على حساب الأخرى(113)، فانعكس ذلك على الوحدة العامة وتكوين جيش من مختلف القبائل.
فيذكر بعض كتاب الإباضية أنه عندما مر أبو عبد الله الشيعي على تيهرت خرج إليه من فيها من وجوه فرق الشيعة، والواصلة والصفرية والمالكية وقدموا له الشكاية في اليقظان، ووعدوهم بالإعانة بالمال والرجال، ورغبوهم في استئصال هذه العائلة وانتزاع الأمر من أيديهم لأنه لا رجال ولا عسكر لليقظان ولا قوة له، لإدبار الناس عنه بما وقع من قتل الإمام(114). وهذا دليل على أن تحول النظام إلى الوراثي نتج عنه ظهور معارضة تزداد أو تضعف، أثرت في كيان الدولة وانعكس على الجيش.
كما يبين نص الدرجيني أهمية الإمام في قوة أو ضعف الجيش بقوله: «ولما توفي عبد الوهاب تدانى العدو من تاهرت طمعا في الاستيلاء عليها، ورجوا الظفر بها وبأهلها لما ظنوه من عجزهم عن المدافعة، إذ أضحوا بلا إمام...»(115).
* العجز الدائم عن التخلص من الطابع القبلي المستفحل في المجتمع المغاربي عموما، فالقبائل سواء العربية أم البربرية تشترك في خصائصها ومميزاتها، حيث كانت تعتمد على جيش من المتطوعين، لافتقارها إلى نظام حضاري راق، رغم ما أدخله الأئمة الرستميون الفارسيون في البداية من أنظمة حضارية فارسية ومشرقية(116).
لكن صراع المصالح بين القبائل البدوية الطامعة في السلطة، ورغبات الفرس، وتطلعات الجند والعرب(117) لم تسمح بتوحيد صفوف الجيش وتنظيمه تحت قيادة واحدة وأساليب تدريب واضحة، وكما يقول أحد المؤرخين المحدثين بأن المجتمع الرستمي مجتمع بدوي تغلب عليه البداوة؛ ولذلك لم تقم فيه مؤسسات دولة بالمعنى الدقيق والمتعارف عليه لهذا المفهوم(118)، خاصة المؤسسة العسكرية.
* انحياز الدولة الرستمية بنفسها عن الدخول في صراع مسلح مع من جاورها من القبائل أو الدول، ورغبتها في العيش في دعة وسلام.
* كما تعرَّض الدكتور إحسان عباس لسبب مهم حسب النظرة السائدة في تلك الفترة، وهي النظرة الاجتماعية الاقتصادية، أن سبب ضعف الدولة وبالتالي الجيش هو «نشوء طبقة كبيرة من الأثرياء تتحدى قدرة نفوسة على تطبيق الأحكام وتمثل – رغم انقسامها أحيانا وتضارب مصالحها – قوة ضغط اقتصادي وسياسي(119).
ويضيف قوله: «ويبدو أن الجيش النظامي الذي كونه الإمام عبد الوهاب كان قد ضعف أو مزقته الانتماءات المتضاربة، إذ لم نعد نسمع شيئا عن الجند بعد تحوله في صف العرب ضد العجم أيام أبي بكر»(120)، وهو بذلك يشير إلى الصراعات العرقية التي تنامت في أواخر الدولة بين العرب والعجم وبين البربر والعرب والعجم معا.
الخاتمة:
إن أغلب الآراء الواردة في شأن الجيش الرستمي والمنكرة لوجوده، حكمت على الأمر بسطحية، أو من خلال النتيجة النهائية، وهي سقوط الدولة الرستمية بسهولة في يد الفاطميين الشيعة.
تتوفر الدولة الرستمية على كل مقومات وجود جيش نظامي وقوي، من عُدَّة وقيادة شُجاعة وحكيمة، وانتشار مختلف الصناعات المساهمة في توفر الأسلحة المتنوعة، إضافة إلى الرخاء المالي والاقتصادي للدولة، مما يسمح حتى باستيراد أو تمويل الجيش والتكفل بمرتبات الجند.
قسم الجيش الرستمي على غرار كل الدول المعاصرة لها إلى جيش نظامي ثابت قوامه العناصر التي اتخذت الجندية مهنة قارة لها، وجيش متطوع أثناء النفير، قوامه مختلف القبائل والرحل، كما امتاز الجيش الرستمي بالتنظيم والتعداد الكبير.
أما أسباب تدهور الجيش الرستمي في عهد الأئمة الأواخر فيعود إلى ضعف شخصيتهم واختلاف الكلمة وانتشار الفتن والاضطرابات، وتحطم عصب الدولة وهي قبيلة نفوسة بعد موقعة مانو.
من خلال كل ما سبق يتضح في تقديري أن الدولة الرستمية لم تخلُ في فترة ما من جيش يحمي حدودها ويقيم سيادتها، بل بالعكس بلغ أقصى قوته وتطوره في عهد الإمام عبد الوهاب، وظهر الجيش بنوعه النظامي والمتطوع، ولكنه يختلف تطور نظام الجيش وقوته من فترة لأخرى ومن عهد لآخر، حسب استقرار الدولة وقوتها، والتي تستمدها من قوة أئمتها وكثرة مواردها أو اختلالها، كما أن الصراعات القبلية وحتى المذهبية، والاقتصادية والمكانة الاجتماعية، والعرقية، أسهمت في عدم وجود جيش دائم ومنظم وقوي في فترات لاحقة، خاصة في أواخر حياة الدولة الرستمية.
المصادر:
1) ابن الأثير (أبو الحسن علي بن أبي الكرم، ت 630هـ /1232م): الكامل في التاريخ، دار الفكر، بيروت.
2) الباروني (سليمان بن عبد الله النفوسي): الأزهار الرياضية في أئمة وملوك الإباضية، مطبعة الأزهار البارونية، مصر، بدون سنة الطبع.
3) البكري (أبو عبد الله بن عبد العزيز، ت 487هـ/1094م): المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، جزء من كتاب المسالك والممالك، مكتبة المثنى بغداد، مطبعة الحكومة، الجزائر، 1857.
4) ابن خلدون (عبد الرحمن بن محمد، ت 808هـ/1405م): العبر وديوان المبتدأ والخبر، مؤسسة الأعلمي، بيروت.
5) الدرجيني (أبو العباس أحمد بن سعيد، ت 670هـ/1271م): طبقات المشايخ بالمغرب، تحقيق الشيخ إبراهيم بن محمد طلاي، ط2، مطبعة البعث، قسنطينة، بدون سنة النشر.
6) أبو زكرياء (يحيى بن أبي بكر، ت 471هـ/1078م): كتاب سير الأئمة وأخبارهم، تحقيق: إسماعيل العربي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1982/1402هـ.
7) الشماخي (أبو العباس أحمد بن سعيد بن عبد الواحد، ت 928هـ): كتاب السير، طبع حجري، قسنطينة، الجزائر، 1301هـ.
8) ابن الصغير المالكي (كان حيا أواخر القرن 3هـ): أخبار الأئمة الرستميين، تحقيق: محمد ناصر، إبراهيم بحاز، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1406هـ/ 1986م.
9) ابن عذارى (أبو عبد الله محمد المراكشي، ت في القرن 8هـ): البيان المغرب، تحقيق ج، س، كولان، إ ليفي بروفنسال، دار الثقافة، بيروت، ط 2، 1983.
10) المراكشي (عبد الواحد بن علي، ت 647هـ/1249م): المعجب في تلخيص أخبار المغرب، تحقيق محمد سعيد العريان، ومحمد العربي العلمي، الطبعة الأولى 1949.
11) اليعقوبي (أحمد بن أبي يعقوب، ت 284هـ/897م): كتاب البلدان، طبعة ليدن، 1860.
المراجع:
1) أحمد توفيق المدني: كتاب الجزائر، المطبعة العربية، الجزائر، 1350هـ.
2) أكرم ديري، وآخرون: الموسوعة العسكرية، المؤسسة العربية للطباعة والنشر، ط 2، 1981، ج 1.
3) بحاز إبراهيم بن بكير: الدولة الرستمية، دراسة في الأوضاع الاقتصادية والحياة الفكرية، نشر جمعية التراث، القرارة، الطبعة الثانية، 1414هـ/1993م.
4) بوزيان الدراجي: دول الخوارج والعلويين في بلاد المغرب والأندلس، دار الكتاب العربي، 2007م.
5) صالح معيوف: جبل نفوسة وعلاقته بالدولة الرستمية، منشورات مؤسسة تاوالت، ليبيا، 2006م.
6) عبد الرحمن الجيلالي: تاريخ الجزائر العام، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة السابعة، 1994، ج 1
7) عدون جهلان: الفكر السياسي عند الإباضية، جمعية التراث، القرارة، الجزائر، بدون تاريخ.
8) عزيزي عبد السلام: أكبر الاكتشافات والاختراعات في تاريخ البشرية، دار الإخوة مدني، الجزائر، 2001م.
9) علي يحيى معمر: الإباضية في موكب التاريخ، الحلقة الرابعة، الإباضية في الجزائر، مطبعة الدعوة الإسلامية، مكتبة وهبة، القاهرة 1399هـ/1979م.
10) محمد علي دبوز: تاريخ المغرب الكبير، مؤسسة تاوالت الثقافية، ليبيا، 2010، ج3.
11) محمد عيسى الحريري: الدولة الرستمية بالمغرب الإسلامي، دار القلم للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، 1408هـ/1987م.
12) محمود إسماعيل: الخوارج في بلاد المغرب، نشر وتوزيع دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، ط 2، 1406هـ/1985م.
13) مسعود مزهودي: جبل نفوسة من انتشار الإسلام حتى هجرة بني هلال إلى المغرب، منشورات مؤسسة تاوالت الثقافية، ليبيا، 2006م.
14) هندي إحسان: الحياة العسكرية عند العرب أو الجيش العربي في ألف عام (500- 1500م) دراسة تاريخية عسكرية لنظم التعبئة وفنون القتال والأسلحة عند العرب منذ الجاهلية إلى الفتح الإسلامي، مطبعة الجمهورية، دمشق، طبعة 1964.
المراجع المترجمة:
1) ألفرد بل: الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي، من الفتح العربي حتى اليوم، ترجمه عن الفرنسية عبد الرحمن بدوي، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1981.
2) شارل أندري جوليان: تاريخ إفريقيا الشمالية، تعريب محمد مزالي والبشير بن سلامة، الدار التونسية للنشر، 1983م، ج2.
3) فرنان شنيدر: تاريخ الفنون العسكرية، ترجمة فريد أنطونيوس، منشورات عويدات، بيروت، ط 1، 1970م.
4) كاستلان جورج: تاريخ الجيوش، ترجمة كمال الدسوقي، نشر مكتبة النهضة العربية، القاهرة، مصر، ط 1956م.
5) Bekri Chikh: Le Kharijisme Berbère, Quelques Aspects du Royaume Rustumide, Annales de l’institut d études Orientales (A. I. E. O) Université d Alger, Tome XV, Alger, 1957.
المجلات والدوريات:
1) إحسان عباس: المجتمع التاهرتي في عهد الرستميين، مجلة الأصالة، العدد 45، ماي 1395هـ/1975م.
2) ش. أحمد: الفكر العسكري الحديث، مجلة الجندي، المركز التقني للاتصال والإعلام والتوجيه، سطاوالي، الجزائر، العدد 206، 11 ديسمبر 1999.
3) قدور وهراني: جوانب من التاريخ الاجتماعي والاقتصادي لمدينة تاهرت من خلال كتاب ابن الصغير، مجلة التراث العربي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، العدد 106، 2007م.
4) محمود الربداوي: مقومات النصر، مجلة التراث العربي، العدد88، شـوال 1423هـ/ كانون أول (ديســمبر) 2002م.
--------------------
الهوامش
الهوامش
1) بعثه الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بعد مقتل الأغلب بن سالم إلى إفريقية الذي وصلها سنة 151هـ/ 768م وعرف بلقب هزارمرد والتي تعني ألف رجل وهدأت الأحداث في عهده واستقرت الأمور طيلة ثلاث سنوات، فأغراه ذلك فأراد التوجه إلى طبنة قعادة إقليم الزاب لتحصينها وحماية القيروان، فأحس عبد الرحمن بن رستم بخطر ذلك فنسق مع جماعات الخوارج والبربر وزحفوا نحو القيروان، فقتلوا حبيب بن حبيب المهلبي، ثم توجهوا نحو طبنة وحاصروها، فعمد عمر بن حفص إلى الحيلة لتفريق هذا الجمع، بإرشاء أخ أبي قرة الصفري الذي عاد بالجيش، فلم يبق إلا جيش عبد الرحمن بن رستم، الذي باغته وألحق به هزيمة، فتراجع إلى إقليم تاهرت، فكانت هذه الهزيمة نقطة تحول في تاريخ قيام الدولة الرستمية. ينظر: محمد عيسى الحريري: الدولة الرستمية بالمغرب الإسلامي، دار القلم للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، 1408/ 1987، ص 87- 91.
2) منها دراسة الدكتور جودت عبد الكريم يوسف: العلاقات الخارجية للدولة الرستمية، وكتاب الدكتور مسعود مزهودي: الإباضية في المغرب الأوسط، وكتاب محمد عيسى الحريري الموسوم بالدولة الرستمية بالمغرب الإسلامي حضارتها وعلاقتها الخارجية بالمغرب والأندلس، وكتاب الدكتور بحاز إبراهيم بكير بعنوان: الدولة الرستمية دراسة في الأوضاع الاقتصادية والحياة الفكرية.
3) باستثناء إشارة خفيفة من أبي زكرياء والباروني نقلا عنه، عند الخروج لاستقبال أبي عبد الله الشيعي الذي لم يجد مقاومة تذكر: أبو زكرياء: كتاب سير الأئمة وأخبارهم، تحقيق إسماعيل العربي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1402هـ/1982م، ص 169. الباروني: الأزهار الرياضية في أئمة وملوك الإباضية، مطبعة الأزهار البارونية، مصر، ج2، 292.
4) ولد في سنة 1873، اهتم بالأدب، ثم اتجه إلى التاريخ الإسلامي في الشمال الإفريقي، واستلزم ذلك العناية بالآثار، والنقود والخزف، وصل إلى مراكش سنة 1914 وهو في تمام نضجه وعاش في مدينة فاس وأصدر كتبا عنها، ثم أقام بتلمسان، ثم عاد إلى مكناس سنة 1942، وتوفي بها في 18 فبراير 1945، وكانت أول دراسة في ميدان الدراسات الإسلامية عن الجزية، كما ألف 12 مجلدا وحوالي ستين مقالة، لكن أهم كتبه هو الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي. عبد الرحمن بدوي، مقدمة الترجمة لكتاب: الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1981، ص 6-7.
5) شارل أندري جوليان ولد في 2 سبتمبر 1891، بمدينة كان الفرنسية، قدم إلى الجزائر وهو في الخامسة عشر من عمره، عمل ثلاثين سنة في التعليم الثانوي وستة عشر سنة في التعليم العالي، بمدرسة فرنسا لأقطار ما وراء البحار، وبمعهد الدراسات السياسية، وبالمدرسة القومية للإدارة وبجامعة السربون "قسم تاريخ الاستعمار"، مؤسس كلية الآداب بمدينة الرباط وعميدها (1957 – 1961) ألف عدة كتب منها تاريخ إفريقيا الشمالية من جزئين، وكتاب إفريقيا الشمالية تسير، والعديد من الكتب والمقالات. ترجمة له في كتاب إفريقيا الشمالية تسير، ترجمة المنجي سليم، الطيب المهري، وآخرون، الدار التونسية للنشر 1396هـ/1976م.
6) بداية اكتشاف البارود كانت بالصين حوالي 600م ثم انتقلت إلى العرب ومنهم إلى أوروبا. عزيزي عبد السلام: أكبر الاكتشافات والاختراعات في تاريخ البشرية، دار الإخوة مدني، طبعة 2001، الجزائر، ص 36.
7) ش. أحمد: الفكر العسكري الحديث، مجلة الجندي، المركز التقني للاتصال والإعلام والتوجيه، سطاوالي، الجزائر، العدد 206، 11 ديسمبر 1999، ص 21.
8) ألفرد بل: الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي، من الفتح العربي حتى اليوم، ترجمه عن الفرنسية عبد الرحمن بدوي، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1981، ص 150.
9) عند انهزام جيش العباسيين أمام أبي الخطاب المعافري أرسل الخليفة المنصور جيشا بقيادة ابن الأشعث، وقد عمل هذا الأخير على إرسال عيونه وجواسيسه إلى معسكر الإباضية، فجاءته الأخبار أنهم فرسان في النهار رهبان بالليل، يحبون الموت أكثر من حبهم للحياة، فعمد إلى الحيلة بالتظاهر بالرجوع مستغلا الشقاق الذي ثار بين زناتة وهوارة، فهزمهم وقتل أبا الخطاب في موضع تاورغا سنة 144هـ. أكثر تفاصيل لاحظ: أبو زكرياء: المصدر السابق، ص 66-68. ابن الأثير: الكامل في التاريخ، دار الفكر، بيروت، ج4، ص 281.
[من الإجحاف التاريخي وصم إمامة أبي الخطاب وغيره من أئمة الإباضية بالخارجية، نظرا للبون الشاسع بين أفكار الخوارج وأفكار الإباضية، وبين تصرفات الخوارج الدموية العنيفة، وبين اعتدال مواقف الإباضية وتسامحهم، وهو ما اعترف به صاحب هذا المقال نفسه بعد بضعة أسطر. (المشرف على موقع التراث)]
10) شارل أندري جوليان: تاريخ إفريقيا الشمالية، تعريب: محمد مزالي والبشير بن سلامة، الدار التونسية للنشر، 1983، ج2، ص 47.
11) الإباضية عندما استولى اليقظان بن أبي اليقظان على الحكم تبرؤوا منه واعتزلوه، ولم يعتبروه إماما من أئمتهم، وكانوا يبرؤون ممن دخل تحت طاعته ورضي بحكمه واعترف بإمارته. انظر: علي يحيى معمر: الإباضية في موكب التاريخ، الحلقة الرابعة، الإباضية في الجزائر، مطبعة الدعوة الإسلامية، مكتبة وهبة، القاهرة، 1399هـ/1979م، ص 63، لذلك كان أبو عبد الله الداعية الشيعي عندما اقتحم تيهرت، لم يخرج ضده أحد، بل إن المصادر الإباضية تذكر أن ابنة الإمام المقتول أبي حاتم "دوسرا" وأخاها هما اللذان استدعيا أبا عبد الله، وحرضاه على قتل اليقظان انتقاما لأبيهما. انظر: أبو زكرياء: المصدر السابق، ص122. وكذلك: الباروني: الأزهار الرياضية، المصدر السابق، ص 292.
12) علي يحيى معمر: الإباضية، ج4 "الإباضية بالجرائر"، ص 50- 51.
13) Bekri Chikh: Le Kharijisme Berbère, Quelques Aspects du Royaume Rustumide, Annales de l’institut d études Orientales (A. I. E. O) Université d Alger, Tome XV, Alger, 1957, p. 73- 75.
14) ابن الصغير: أخبار الأئمة الرستميين، تحقيق: محمد ناصر، إبراهيم بحاز، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1406/ 1986، ص 35.
15) المصدر نفسه، هوامش، ص 45.
16) ابن الصغير: المصدر السابق، ص 54.
17) إحسان عباس: المجتمع التاهرتي في عهد الرستميين، مجلة الأصالة، العدد 45، ماي 1395هـ/1975م، ص 24.
18) بحاز إبراهيم بن بكير: الدولة الرستمية، دراسة في الأوضاع الاقتصادية والحياة الفكرية، نشر جمعية التراث، القرارة، الطبعة الثانية، 1414هـ/1993م، ص 130.
19) بحاز إبراهيم بن بكير: نفس المرجع والصفحة.
20) عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم عندما أعيته الحيلة في قمع ثورة خلف بن السمح، بث العيون والجواسيس للإيقاع بين خلف وأتباعه وأرسل إلى أتباع خلف سرا يمنيهم بالأموال والضياع. الباروني: الأزهار الرياضية، ج 2، ص 155.
21) يقول ابن الصغير: «فلما رأى ذلك – أي أفلح – أرشى ما بين كل قبيلة ومجاورها، فأرشى بين لواتة وزناتة، وما بين لواتة ومطماطة، وما بين الجند والعجم، حتى تنافرت النفوس ووقعت الحروب، وصارت كل قبيلة ملاطفة لأفلح خوفا من أن يعين صاحبتها عليها». أخبار الأئمة الرستميين، ص 27. [من المستبعد أن يلجأ الإمام العالم الورع إلى التفريق بين الناس؛ فهذا الكلام من ابن الصغير ينبغي أخذه بتحفظ؛ لأنه ـ كما يقر هو بنفسه ـ مبغض للإباضية إذ قال: «وإن كنَّا للقوم مبغضين ولسيَرهم كارهين». ومن المعلوم أن ابن الصغير عاش في أواخر الدولة الرستمية، فهو راوٍ لمعلومات بعيدة عنه بحوالي قرن من الزمن. (المشرف على موقع التراث)].
* اغتال أبو بكر بن أفلح صهره محمد بن عرفة الذي كان وزيره وساعده الأيمن في إدارة شؤون الدولة، فأثار سخط الفقهاء وتبرمهم. ابن الصغير: أخبار الأئمة الرستميين، ص 34.
22) محمد عيسى الحريري: الدولة الرستمية بالمغرب الإسلامي، حضارتها، وعلاقاتها الخارجية بالمغرب والأندلس، دار القلم للنشر والتوزيع، الكويت، الطبعة الثانية 1408هـ/1987م، ص 228.
23) ذكر الدرجيني في إمامة أفلح، وخلال الحرب التي وقعت بين جيشه بقيادة أبي عبيدة عبد الحميد الجناوني وأحد المنشقين وهو خلف بن السمح «فأمر أبو عبيدة أصحابه بالخروج، فخرجوا وهم في عدد قليل، ولكنهم أهل بصائر يموتون على ما بأيديهم من الحق، لا يأسفون على ما فاتهم من دنياهم، ولا يعدون زادا إلا تقواهم... وقد اختلف في عددهم فقيل: سبعمائة، وقيل: عدد أصحاب بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر...». الدرجيني: طبقات المشايخ بالمغرب، تحقيق الشيخ إبراهيم بن محمد طلاي، ط2، مطبعة البعث، قسنطينة، د.ت. ج1، ص72، وهو تعبير مهم جدا في حبهم للجهاد والآخرة تشبيها بصحابة الرسول "ص" في غزوة بدر.
24) لاحظ الهامش في هذا المقال، ص 1.
25) قاد المعركة في غياب عبد الوهاب ابنه أفلح، حيث استطاع أن يقتل ابن فندين وينهزم أصحابه. الشماخي أبو العباس أحمد بن سعيد: كتاب السير، طبع حجري، قسنطينة، الجزائر، 1301هـ، ص 150. ويذكر الكتَّاب الإباضية أن عدد القتلى بلغ اثني عشر ألف قتيل. محمد عيسى الحريري: المرجع السابق، ص 118. ثم انتقم النكارية بقتل ميمون بن عبد الوهاب، فأرسل لهم هذا الأخير جيشا كبيرا فقتل أكثرهم، فضعف أمرهم. الباروني: الأزهار الرياضية، المصدر السابق، ج2، ص 114- 115.
26) الباروني: الأزهار الرياضية، المصدر السابق، ج 2، ص 117.
27) ابن الصغير: المصدر السابق، ص 47- 51.
28) نفسه، ص 52- 54.
29) ابن الأثير: الكامل، المصدر السابق، ج 5، 382.
30) محمد علي دبوز: تاريخ المغرب الكبير، مؤسسة تاوالت الثقافية، ليبيا، 2010، ج3، ص 326.
31) الباروني: المصدر السابق، ج2، ص 165.
32) محمد عيسى الحريري: المرجع السابق، ص 229.
33) أحمد توفيق المدني: كتاب الجزائر، المطبعة العربية، الجزائر، 1350هـ، ص 21.
34) ابن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ج4، ص 113. الباروني: الأزهار الرياضية، ج2، ص 93.
35) ابن خلدون: المصدر السابق، نفس الصفحة.
36) محمد عيسى الحريري: المرجع السابق، ص 107.
37) محمد علي دبوز: المرجع السابق، ج3، ص 326.
38) الإمامة عند الإباضية أربعة مراحل وآخرها إمامة الظهور، التي لا يتم الإعلان عنها إلا إذا توفرت القدرة الكامنة في العدد والعدة. ينظر: عدُّون جهلان: الفكر السياسي عند الإباضية، جمعية التراث، القرارة، الجزائر، بدون تاريخ، ص 65 وما بعدها.
39) نفوسة: هي قبيلة من البربر البتر، وذكر المؤرخون أن جدهم الأول هو مادغيس وتشعبت من ابنه "زحيك" بطون عديدة، فقد ترك هذا الأخير أربعة أبناء هم "نفوس، أداس، ضرا، لوا" وإلى نفوس تنسب قبيلة نفوسة، وهناك من يرى أن نفوسة سميت بهذا الاسم لأن أفرادها أسلموا بنفوسهم دون داع قاهر، والحقيقة أن القبيلة معروفة بهذا الاسم قبل قدوم الفاتحين العرب. مسعود مزهودي: جبل نفوسة من انتشار الإسلام حتى هجرة بني هلال إلى المغرب، منشورات مؤسسة تاوالت الثقافية، ليبيا، 2006، ص 25.
40) محمد علي دبوز: المرجع السابق، ج3، ص 326.
41) د. محمود الربداوي: مقومات النصر، مجلة التراث العربي، العدد88، شـوال 1423هـ/ كانون أول (ديســمبر) 2002، ص 8.
42) محمد علي دبوز: المرجع السابق، ج3، ص 326.
43) الباروني: الأزهار الرياضية، المصدر السابق، ص 127.
44) ابن الصغير: سير الأئمة، المصدر السابق، ص 107.
45) هندي إحسان: الحياة العسكرية عند العرب أو الجيش العربي في ألف عام (500- 1500 م) دراسة تاريخية عسكرية لنظم التعبئة وفنون القتال والأسلحة عند العرب منذ الجاهلية إلى الفتح الإسلامي، مطبعة الجمهورية، دمشق، طبعة 1964، ص 76، ص 83.
46) ابن الصغير: المصدر السابق، ص 36.
47) البكري أبو عبد الله: المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، جزء من كتاب المسالك والممالك، مكتبة المثنى بغداد، مطبعة الحكومة، الجزائر، 1857، ص 70.
48) عبد الواحد المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب، تحقيق محمد سعيد العريان، ومحمد العربي العلمي، الطبعة الأولى 1949، ص 357.
49) حيث يصف صاحب كتاب البلدان أن للدولة الرستمية حصن كبير على ساحل البحر الأعظم ترسى به مراكب تاهرت يقال له " مرسى فروخ ". اليعقوبي: كتاب البلدان، طبعة ليدن، 1860، ص 7- 14.
50) البكري: المصدر السابق، ص 61- 62، ص 70.
51) حيث قال الإمام عبد الوهاب: «لولا أنا وابن جرني، وابن زلغين لخرب بيت مال المسلمين» بما علينا من الحقوق الشرعية – الزكاة -، فهو ذو ذهب وفضة، وابن جرني فلاح عظيم كانت زكاته في السنة آلاف الأحمال من البر والشعير، وابن زلغين ذو إبل وغنم له من ذلك ما يعد بمئات الألوف. الباروني: الأزهار الرياضية، ج 2، ص 137.
52) محمود إسماعيل: الخوارج في بلاد المغرب، نشر وتوزيع دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، ط 2، 1406هـ/1985م، ص 198.
53) ابن الصغير: المصدر السابق، ص 54.
54) المصدر السابق، ص 84.
55) إحسان عباس المرجع السابق، ص 31.
56) كان الإمام عبد الوهاب يدفع مرتَّبات الجيش كغيرها من مرتَّبات القضاة ورجال الشرطة وغيرهم، من مال الجزية وخراج الأراضي، وتلك هي السنة التي سار عليها الإمام الأول عبد الرحمن. إحسان عباس: المرجع السابق، ص 24.
57) لما ابتنى العباس محمد بن الأغلب مدينة العباسة بقرب تيهرت سنة 227هـ/ 841م هدمها الإمام أفلح.
58) لاحظ أبو زكريا في وصفه لمحاربة الواصلية الذين كانوا أغلبهم من زناتة ومساندة الدولة الإدريسية لهم. أبو زكريا: المصدر السابق، ص 101 – 103.
59) لاحظ فتنة النكار: ابن الصغير: المصدر السابق، ص 50-51.
60) إحسان عباس، المرجع السابق، ص 34.
61) ابن الصغير: المصدر السابق، ص 62.
62) المصدر نفسه، ص 63.
63) نفسه، ونفس الصفحة. [سبق أن علقنا على هذه الفكرة في هامش 21 (المشرف على موقع التراث)].
64) إحسان عباس: المرجع السابق، ص 24.
65) كلمة العجم وردت مرات عديدة في كتاب ابن الصغير، لكن لا نعلم بالتحديد ماذا يقصد بها، لكن بعكس ما قيل بأنهم من الفرس جاءوا لما سمعوا بحكم الرستميين لتيهرت لأنهم من نفس الجنس، حيث ظهروا كفئة فاعلة ومؤثرة خاصة بعد مقتل ابن عرفة واندلاع الفتنة –قدور وهراني: جوانب من التاريخ الاجتماعي والاقتصادي لمدينة تاهرت من خلال كتاب ابن الصغير، مجلة التراث العربي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، العدد 106، 2007، ص 217.
66) ابن الصغير: المصدر السابق، ص 62، ولم يحدد ماذا يقصد بأهل إفريقية فكل ما قاله أنهم كانوا من الجند.
67) محمد علي دبوز: المرجع السابق، ج3، ص 326.
68) عبد الرحمن الجيلالي: تاريخ الجزائر العام، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة السابعة، 1994، ج 1، ص 166.
69) قدور وهراني: المرجع السابق، ص 218.
70) ابن الصغير: المصدر السابق، ص 52.
71) المصدر نفسه، ص 85.
72) قدور وهراني: المرجع السابق، ص 217.
73) إحسان عباس: المرجع السابق، ص 24.
74) كاستلان جورج: تاريخ الجيوش، ترجمة كمال الدسوقي، نشر مكتبة النهضة العربية، القاهرة، مصر، ط 1956، ص 65.
75) ابن الصغير: المصدر السابق، ص 47. البكري، المصدر السابق، ص 67.
76) الباروني: الأزهار الرياضية، المصدر السابق، ص 87.
77) ابن الصغير: المصدر السابق، ص 52، 85، 108.
78) ابن عذارى: البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ج، س كولان، وإ ليفي برفنسال، دار الثقافة، بيروت، ط 2، 1983، ج1، ص 75.
79) ابن الصغير: المصدر السابق، ص 54. أبو زكريا: المصدر السابق، ص 93.
80) ابن الصغير: المصدر السابق، ص 55.
81) الباروني: الأزهار الرياضية، ج2، ص 166.
82) الباروني: الأزهار الرياضية، ج2، ص 83. السيف أكثر الأسلحة شيوعا واستعمالا، فهو سلاح هجومي، والقوة الضاربة في يد الجندي باعتباره وسيلة فعالة في الدفاع عن الذات والمبارزة والقتال، سواء لفرقة الفرسان أم المشاة، فهو أداة خفيفة تلازم الفرد المجند أينما حل أو ارتحل في حالتي الحرب أو السلم. فرنان شنيدر: تاريخ الفنون العسكرية، ترجمة فريد أنطونيوس، منشورات عويدات، بيروت، ط 1، 1970، ص 11.
83) ابن الصغير: المصدر السابق، ص 80. الدروع هي سلاح لحماية الجسم كله، أو جزء منه تقيه من ضربات العدو وتكون مصنوعة من الحديد أو البرونز أو من الجلود المقواة، المضاعفة الطبقات وهي الأكثر تداولا لخفتها ولقدرة الجندي على الحركة السريعة وهو مرتديها. هندي: المرجع السابق، ص 109.
84) ابن الصغير: المصدر السابق، ص 84.
85) المصدر نفسه، ص 83.
86) نفسه، ص 84.
87) أبو زكرياء: المصدر السابق، ص 157.
88) ابن الصغير: المصدر السابق، ص 80.
89) أبو زكريا: المصدر السابق، ص 99، 102 رغم الوصف الكثير لابن الصغير لتولي كل إمام ولأوضاعه إلا أنه لم يشر إلى مسؤولية الإمام في المقام الأول في الشؤون السياسية والحربية أي قيادة الجيش، مما يعزو إلى بساطة التفكير في اختيار الحاكم.
90) ذكر أبو زكريا أن أبا منصور إلياس كان عاملا على جبل نفوسة، وقد قاد الجيش بنفسه «...وكان أبو منصور في مسيرته إذا حل وقت الصلاة نقر في طبله ويقف أول العسكر لآخره ويصلي بهم ركعتين فيرتحلون...». أبو زكرياء: المصدر السابق، ص 153.
91) كان قاضي أبي منصور هو عمروس بن فتح وقد قاد جيشا، حيث أورد أبو زكرياء قوله «...وبلغنا أن عمروس بن فتح كان في آخر المعركة يحمي الناس ويذود عنهم ولم يقدروا عليه...». أبو زكرياء: المصدر السابق، ص 157.
92) ابن عذارى: البيان المغرب، تحقيق ج، س، كولان، إ ليفي بروفنسال، دار الثقافة، بيروت، ط 2، 1983، ج1، ص 139.
93) ابن الصغير: المصدر السابق، ص 53.
94) أبو زكرياء: المصدر السابق، ص 96، ويشير إليها محمد علي دبوز بقوله: «وكانت القبائل الكبرى تجند في النفير العام الكثير...». محمد علي دبوز: المرجع السابق، ج3، ص326.
95) الباروني: المصدر السابق، ص 296.
96) صالح معيوف: جبل نفوسة وعلاقته بالدولة الرستمية، منشورات مؤسسة تاوالت، ليبيا، 2006، ص 204- 205.
97) محمد علي دبوز: المرجع السابق، ج3، ص 326.
98) أكرم ديري، وآخرون: الموسوعة العسكرية، المؤسسة العربية للطباعة والنشر، ط 2، 1981، ج 1، ص 294.
99) أبو زكرياء: المصدر السابق، ص 71، هذا فضلا عن الخطة التي طبقها أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح رفقة عبد الرحمن بن رستم ورفاقه في اقتحام مدينة طرابلس، وبها عامل أبي جعفر المنصور، عندما عمدوا إلى وضع رجال مسلحين في جواليق لدخول المدينة ولما توسطوها، فتحوا الجواليق وخرج الرجال المسلحون واستولوا على مدينة طرابلس. أبو زكرياء: المصدر السابق، ص 59.
100) عمد ابن فندين إلى وضع رجل مسلح داخل صندوق مغلق وتظاهر رجلان من أتباع ابن فندين بأن بينهما خلافًا حول هذا الصندوق وأن كلاًّ منهما لا يأمن صاحبه عليه وأنهما يريدان الاحتفاظ به عند الإمام حتى ينتهي ما بينهما من خلاف واتفق القوم مع صاحبهم الذي بداخل الصندوق على أن ينهض في الليل فيقتل عبد الوهاب، وعندما يتمكن من ذلك يؤذن لصلاة الصبح فتكون هذه شرارة ينطلق بعدها أتباع ابن فندين فيضعون السلاح في أهل المدينة ويستولون على السلطة. الشماخي: السير، المصدر السابق، ص 149. وثارت الشكوك في نفس الإمام، فالصندوق ثقيل وقفله من الداخل، لذا وضع الإمام في فراشه زقًّا منفوخا وألقى عليه رداءً أبيض، وفي الليل خرج الرجل فضرب الرق بالسيف، وهنا عاجله الإمام بضربة قاتلة ووضعه في الصندوق، وظل القوم حتى الصباح ولم يسمعوا شيئا من صاحبهم، فاجتمعوا إلى الإمام وقالوا له اتفقنا نريد الصندوق، فوجدوا صاحبهم مقتولا فيه. أبو زكرياء: المصدر السابق، ص 93-95.
101) رغم أنه أرسلت له نفوسة أربعة أفراد بدلا من أربعمائة وهم محمد بن يانس، ومهدي النفوسي وأبو الحسن الأبدلاني، وأيوب بن العباس. الشماخي: السير، المصدر السابق، ص 155. لكن عند الدرجيني رواية تخفف من حدة هذه المبالغة بقوله: «أرسل إلى أهل جبل نفوسة يستمدهم طالبا منهم جيشا نجيا يكون فيهم رجل مناظر عالم بفنون الرد على المخالفين ورجل عالم بفنون التفاسير، ورجل شجاع يستعد لمبارزة الواصلي». الدرجيني: طبقات المشايخ، المصدر السابق، ج 1، ص 56.
102) الشماخي: السير، المصدر السابق، ص 160.
103) أبو زكرياء: المصدر السابق، ص96.
104) الدرجيني: طبقات المشايخ، المصدر السابق، ج 1، ص 74.
105) أبو زكرياء: المصدر السابق، ص 96.
106) عبد الرحمن الجيلالي: المرجع السابق، ج 1، ص 176.
107) مانو: قصر قديم بين قابس وطرابلس تقريبا. انظر: الباروني عبد الله بن يحيى النفوسي: رسالة سلم العامة والمبتدئين إلى معرفة أئمة الدين، مطبعة النجاح، مصر، 1324هـ، ص 17، هامش 1. حيث في موقعة مانو «فل حد سيوف نفوسة، وفنيت فيها أبطالهم». الباروني: الأزهار، المصدر السابق، ج2، ص 280، إذ انهزم برجاله أمام الأغالبة، وأريقت دماؤهم في البحر حتى غلبت حمرة الدم على الماء. الشماخي: السير، المصدر السابق، ص 268، وموقعة مانو وقعت سنة 283هـ/896م حيث تختلف المصادر في أسبابها، فابن عذارى المراكشي يذكر أن سببها هو أن إبراهيم بن أحمد الأغلبي اعترضته نفوسة بين قابس وطرابلس ومنعته من الجواز، وكانوا في عشرين ألفا لا فارس معهم، فناصبهم الحرب وقاتلهم قتالا شديدا حتى هزمهم وقتلوا أكثرهم. البيان المغرب، المصدر السابق، ج1، ص 139، أما أبو زكرياء فيذكر رواية أخرى وهو أن إبراهيم بن الأغلب أنفذه الخليفة العباسي المتوكل (المعتضد عند بحاز: المرجع السابق، هامش 139) بعد أن وصلته أخبار نفوسة وأن قيام دولة الفرس بتيهرت كان بهم. سير الأئمة، المصدر السابق، ص154-155، ولاشك أن ما أورده ابن عذارى هو الأصوب والأقرب للحقيقة لأن وجهة سير ابن الأغلب كانت مصر وليس تيهرت. صالح معيوف: المرجع السابق، ص170، وعن خسائرها يتحدث أبو زكرياء: «أنه بلغنا عن الثقات من أهل الجبل أن عدة من قتلاهم اثنا عشر ألفا من نفوسة وثمانية آلاف من كان معهم من البربر وغيرهم، وفيهم أربعمائة عالم». السير، المصدر السابق، ص 156-157.
108) أبو زكرياء: المصدر السابق، ص 155.
109) ابن عذارى، المصدر السابق، ج 1، ص 130.
110) محمد عيسى الحريري: المرجع السابق، ص 180.
111) المرجع نفسه، ص 228. الأمر الذي دعا الإمام أبا اليقظان محمد إلى الانتقاص من سلطة بعض القبائل، التي كانت تستأثر بالمناصب العامة، وجعلها مشاعا بين كافة الفرق والطوائف من غير الإباضية. محمود إسماعيل: الخوارج في بلاد المغرب، ص 200.
112) إحسان عباس: المرجع السابق، ص 23.
113) ابن الصغير: المصدر السابق، ص 31.
114) أبو زكرياء: المصدر السابق، ص 169. الباروني: المصدر السابق، ج 2، ص292، 293.
115) الدرجيني: طبقات المشايخ، المصدر السابق، ج 1، ص 70.
116) يضيف الأستاذ بوزيان الدراجي «أن هذه القبائل لم يصل بهم الحال إلى مرتبة الملك القاهر، المتحكم في الرقاب... بسبب ضعف اللحمة، وبروز التناقضات المتعددة بين القبائل من جهة، وبسبب عدم حصول الغلبة لعصبية ما على بقية العصبيات المتحالفة من جهة أخرى...». دول الخوارج والعلويين في بلاد المغرب والأندلس، دار الكتاب العربي 2007، ص 26.
117) محمد عيسى الحريري: المرجع السابق، ص 228.
118) صالح معيوف: المرجع السابق، ص 122.
119) إحسان عباس: المرجع السابق، ص 23.
120) المرجع نفسه، ص 34.
__________________________________________________________________
للتفاعل مع الموضوع وإبداء آرائكم يمكنكم الاطلاع على المقال في الفيس بوك: http://www.facebook.com/profile.php?id=100001173531968&ref=tn_tnmn
الفئة