ولن يصل غايته إن لم يمهِّد لطريقه وخطواته بالاحترام المتبادل والتقدير الكامل بين طوائفه وأحزابه مادام الهدف واحدا وهو بناء مجتمع إسلامي متطور في ظل راية التوحيد.
ولعل الواقع المرير الذي نشهد مآسيه من حين إلى آخر هنا وهناك يعود إلى أسباب سياسية ودينية في الأغلب الأعم؛ لقصور نظر لدى الساسة والمتزعمين. فإنّ السؤال الذي ينبغي أن ينشغل به المصلحون والمخلصون هو: كيف يمكن أن نوظف القيم الدينية لتكون ركائز للتقدم والنهضة والتحرر، لا أن تصبح سببا إلى تكرس التخلف والتحجر والتقهقر؟ فإنّه عوض أن يتصارع المسلمون بدافع مذهبي أو حزبي، كان الأَولى بهم أن يوجهوا قواتهم إلى عدوهم المشترك، عدو دينهم وأمتهم وقرآنهم ونبيهم؛ فإن المعركة الحقيقية شئنا أم أبينا، أدركنا ذلك أم لم ندركه ينبغي ألا تكون بين المسلمين مذاهب وأحزابا، وإنّما هي صراع حضاري بين كفر وإيمان، وتنافس محموم على السيادة والسيطرة بين حضارة الهلال ومدنية الصليب، حتى وإن حاول أعداء الإسلام داخلا وخارجا أن يَطْبعوا هذا الصراع بغير هذا الطابع، وإن اتخذوا أساليب تكتيكية سياسية واقتصادية أخرى. فإن لم يدرك المسلمون هذا الواقع، ولم يستبطنوا خفاياه فإنهم لا يزالون في توجيه أسلحتهم الفتاكة ضد بعضهم البعض، متغافلين عن عدوهم الأساسي الذي يدس السلاح في أيديهم، ويؤلّب الحكام الفجرة عليهم؛ ليتحكموا في منابع الثروات المادية والأدبية، ويخذلوا قواهم الاقتصادية والروحية.
إنهم يبتسمون للمسلمين في ودٍّ كاذبٍ، وتملق منافق، ليوجّهوا وجوهنا قِبل البيت الأبيض، والساحة الحمراء، وليصرفوا وجوهنا عن الكعبة، والقبة الخضراء، وأولى القبلتين, وليس أدل من هذه المؤامرة التي تجلت واضحة وضوح شمس الهاجرة في سماء الجزيرة العربية، فيما يطلقون عليه اليوم (أزمة الخليج). وإن أخوف ما نخافه أن نتفطن إلى عدونا الحقيقي ونحن نردد في حسرة وندامة «إنما أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض».
المصدر: مقدمة كتاب "منهج الدعوة عند الإباضية" للأستاذ: د.محمد ناصر.