أيها الجزائري(1)
أيها الجزائري المسلم! إنك أخو الجزائري المسلم دينا، ولغة، وجنسا، ووطنا وسرورا، وألما، فلا تظُنَّ ـ وقد ربطت بينكما تلك الصِّلات المتينة العُرَى ـ أنَّ دينك غيرُ دينه، ولغتَك غيرُ لغته، وجنسَك غيرُ جنسه، ووطنَك غيرُ وطنه، وسرورَك غيرُ سروره، وأَلَمَكَ غيرُ أَلَمِهِ، فتعيشَ وإيَّاه كما يعيش الزنجيُّ والإسكندنافيُّ، كلاَّ أيها العزيز! إنك بأخيك تعيش عزيزا، وبدونه تعيش ذليلا، إنك بأخيك قويٌّ وبدونه ضعيف، إنك بأخيك كثير وبدونه قليل، وبقوَّتك الإيجابية وقوَّته السلبية تتولد الشموس الكهربائيَّة، فتضيء بلادك العزيزةَ، وبدونها تبقى في ظلام من ليل بهيم، لا تدري مَن أنت؟ ولا في أيِّ عصر أصبحت؟ ولا في أيِّ أرض صرت؟.
أيها الجزائري العزيز! أنت شقيق الجزائريِّ الروحيُّ، أبوكما الإسلام، وأُمُّكما الجزائر، فلكما وعليكما نحو بعضكما من الحقوق والواجبات ما للأشقاء وعليهم، أليس كذلك؟.
أيها الجزائري الماجد! اِعلم أن القطر الجزائري مدينة واحدة تاريخية مسوَّرة بسور واحد هو الإسلام، وسكَّان دُورِها هم سكَّانه، فلا يمنع انحياز كلٍّ في داره ومحافظته على مميزات عائلته فيه سائر سكان المدينة من التعاون والتعاضد على جلب المصلحة لها، ودرء المضرَّة عنها، فإنَّ مصلحة المدينة هي مصلحة ديارها، ومضرتها مضرتها، فإذا أقبل النهار فعلى الجميع، وإذا هجم الليل فعلى الجميع. ألم تر أن التداعي بالقبائل والطوائف (هذا عربي وهذا ميزابي وهذا قبائلي) لم يَجُرَّ على البلاد والعباد غير الهلاك والخراب والدمار؟
فهل أَجْدَى كُلاًّ أو بعضًا جزءٌ من النفع؟ كلاَّ، كلاَّ أيها الأخ!.
أيها الجزائري إن رأيت أخاك عنك بعيدا أو بينكما فروق وحواجز ومسافاتٌ فالواقع بخلاف ذلكَ، فقد ألحم الله بين غرائِزِكُمَا بلحمة الدين، وجمع بين نشأتكما بعلاقة النسب، ووصل بين نفوسكما بِصِلة الجنس، وربط بين أجسادكما برابطة الوطن، ووحَّد مابين لسانيكما بوحدة اللغة، وأظلَّ مجموعكما بسماء واحدة، وأنضج عقولكما بشمس واحدة، وأنعش أرواحكما بهواء واحد، فوق أرض واحدة، أفَلَسْتَ بعد هذه العلاقة المتينة أنت هو، وهو أنت؟!.
أيها الجزائري، إنك مع إخوانك المسلمين الجزائريين غيرُكَ وأنت منفرد، ففي قوتك منفردا قوَّةُ فردٍ واحد، وفي قوَّتك وأنت مجتمع معهم قوة خمسة ملايين(2).
ولصوتك وأنت منفرد قوَّة صوت فرد واحد، ولصوتك وأنت مجتمع قوَّة صوت خمسة ملايين، فالخمسة ملايين مفترقة في حكم فرد، والفرد منها وهي مجتمعة في حكم الخمسة ملايين.
- فما أقوى يا ترى، أقوَّة فرد أم قوَّتها؟!.
- وما أندى، أصوت فرد أم صوتها؟!.
- وأيُّ القوَّتين أشدُّ استهدافا للخطر، قوَّة الفرد أم قوتها؟!.
- وأي صوت أخْفَتُ، أَصَوْتُ الفرد أم صوتها؟!.
أيها الجزائري إن لك كنوزًا ومواهب ومزايا، وفيك شهامة وعبقريَّة وبطولة، ولكن هل يمكنك أن تستفيد منها وتفيد إذا لم تمزجها بكنوز أخيك ومواهبه ومزاياه الخ...؟ أو لم ترها كذرَّات تتبخَّر في الفضاء، وكثيرا ما رجعت عليك فخنقتك وأهلكتك بمن معك لعدم تماسك عناصرها بعناصر مواهب أخيك؟!.
أيها الجزائري ! إن الدين يدعوك، والجزائر تستفزُّ هِمَّتك وقوميتك، تناديك بصوتها الرخيم إلى الاستقامة، إلى العمل، إلى الاتحاد، فإنَّ السعادة في انتظارك في محطَّة العزَّة والفخار.
 
_______________________________
(1) جريدة وادي ميزاب، ع:1، يوم 01 أكتوبر 1926م.
(2) وقد تجاوز عددهم اليوم سبعة وثلاثين مليونا.
(مع مراجعة وتصحيح)
 
اسم الكاتب