
بســــم الله الرّحمـــــن الرّحيـــــم والصّلاة والسّلام على رسول الله
أستاذي الدّكتور محمد ناصر رقم ثقيل في حياتي...
حياة الـمرء تقدّر بما يقدّم فيها من أعمال تؤكّد حقيقة حضوره فيها فاعلا في سيرورتها، منتجا ما يعمرها، مفيدا غيره بالصّالح من الأعمال، مضيفا جديدا يضمن استمراريتها وتطوّرها، عاملا على تلافي ما يعرقل نُـمُوَّها .. وغير ذلك من الإيجابيّات التي تجلب الخير وتدفع الشّرّ.. هذه الصّفات وغيرها توفّرت في فقيدنا؛ شيخنا وأستاذنا ومربّينا ومعلّمنا وموجّهنا وقائدنا ورائدنا الدّكتور محمد بن صالح بن سليمان ناصر، المعروف بلقب (بربوشة)، الذي غادرنا إلى دار البقاء أمس الأربعاء: 26 من صفر 1447ه/ 20 من أغسطس 2025م؛ تاركا قلوبا مكلومة وعيونا دامعة وفراغا كبيرا في المجالات التي كان مرابطا فيها، مثابرا مصابرا، محتسبا أجره عند الله الذي لا بضيع أجر من أحسن عملا؛ رغم الظّروف الصّحيّة التي مرّ بها طول حياته والظّروف المعاشيّة وظروف تعلّمه وتكوّنه وبناء ذاته وشخصيّته ... فقاوم وكافح وواصل العمل؛ لأنّه آمن برسالته في القيام بالواجب نحو مجتمعه ووطنه والإنسانيّة، ولأنّ أهدافه في هذه الحياة كانت مرسومة وواضحة، هي مرضاة الله U أوّلا، ثمّ أداء أمانة التّبليغ وتسخير الـمواهب التي منحها الله U له، التي يجب أن تزكّى، وزكاتها هي خدمة الصّالح العام.. فكما ترك نفوسا متأثّرة بوفاته، تركها متأثّرة بالذّكر الحسن الذي خلّفه ليكون لها زادا في مسيرتها ... والذّكر للإنسان عمرٌ ثانٍ. رحمه الله وأسكنه فسيح جنّاته.
من بين من استفاد من هذه المواهب أنا، تلميذه الذي صُنع علي يديه؛ بتعليمه وتكوينه وتوجيهه وفتح آفاق التّألّق. أستاذي الدّكتور محمد ناصر رقم ثقيل في حياتي؛ بما قدّم لي من خيور، وما خصّني به من رعاية، وما فتح لي من أبواب للظّهور في مسرح الحياة – بما أزعم أنّي مفيد فيه – فله كلّ التّقدير، ففضله عليّ عظيم، بعد نعم الله U عليّ.
درّسني في معهد الحياة، وفي جامعة الجزائر ... كان له الفضل في اْلتحاقي بمعهد الدّراسات الإسلاميّة بالقاهرة، الذي حصلت فيه على دبلوم الدّراسات الإسلاميّة. وبه سجلّت في مرجلة الماجستير في جامعة الجزائر، وكان له دور في هذا التّسجيل الـمُعقّد ... وكان مشرفي على الرّسالة، وهو الذي اقترح عليّ موضوعها " أثر القرآن في الشّعر الجزائري الحديث" كما اقترح عليّ موضوع أطروحة الدّكتوراه " السّخريّة في الأدب الجزائري الحديث"، بدأ معي الخطوات الأولى في إعدادها، ثمّ أكمل أستاذي الدّكتور عبد القادر هنّي البقيّة.
كان له الفضل في اْلتحاقي بالتّدريس في المعهد الوطني العالي في اللّغة والأدب العربي (جامعة باتنة) عام 1987م. وفتح لي الباب للانتقال إلى كليّة التّربية للمعلّمين بنزوى، سلطنة عمان للتّدريس فيها، بقيتُ فيها سبع سنوات.
دعاني للتّدريس في كليّة المنار للدّراسات الإسلاميّة، ثمّ طلبني أن أكون رئيس مجلسها العلمي.
ضمّني إلى فريق جمعيّة التّراث، منذ السّنوات الأولى لنشأتها، بداية بالمشاركة في بعض أعمالها، ثمّ الانضمام عضوا في الجمعيّة العامّة ... فكان من نتائج ذلك أن رُشّحتُ لرئاستها بعض وفاة شيخي وأستاذي القدوة عدّون بن بالحاج شريفي رحمه الله. بداية من سنة 2005م.
كان له دور كبير وأساسي في تخرّجي على منهجيّة البحث العلمي، فقد تدرّج معي حتّى تمكّنت – والحمد لله – من اكتساب مهارات مهمّة، سهّلت لي مهمّة الكتابة والتّأليف بعون من الله وتوفيقه، نسأله المزيد.
لكلّ هذه الأفضال والمكارم وغيرها التي أحصاها الله ونسيتُها.. كان أستاذي الدّكتور محمد بن صالح ناصر رقما ثقيلا في حياتي، تُثقِل ديوني نحوه، أرجو من الله العون والتّوفيق لسداد بعضها. كما نرجو أن يثقل ميزان حسناته يوم الجزاء الأكبر، يوم يقال له وللموفّين: )سَلامٌ عَلَيكُم بِـمَا صَبَرتـُم فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ((الرّعد/24). )إنَّ الـمُتَّقينَ فِي جَنَّاتٍ َعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ( (الحجر/45، 46).
رحم الله شيخنا وأسكنه فسيح جنّاته، ورزقنا الوفاء به وبأعماله، ويسّر لنا سبل مواصلة جهاده وتبليغ رسالته، إنّه وليّ التّوفيق والسّداد والرّشاد..
ملاحظة: كانت وفاة أستاذنا الدّكتور محمد ناصر يوم: 26 صفر 1447ه، ووفاة شيخه الشّيخ إبراهيم أبي اليقظان يوم 25 صفر 1393ه. رحمهما الله.
الجزائر يوم الخميس: 27 صفر 1447ه
21 أغسطس 2025م
محمد بن قاسم ناصر بوحجام