المنهج الإسلامي في التوازن بين واجبات المسلم المعاق واحتياجاته الخاصة
الدكتور: مصطفى بن صالح باجو
جامعة الأمير عبد القادر، قسنطينة
قضية العناية بذوي الاحتياجات الخاصة، أضحت قضية بالغة الأهمية لدى المهتمين بشؤون المجتمع بصورة عامة، وشؤون التربية والرعاية الاجتماعية بصفة خاصة. فتجندت لها الهيئات والمؤسسات، وخصصت لها الميزانيات، ووجهت لها البحوث والكفاءات، بغية إخراج هذه الفئة من عالمها الخاص، ومنحها ما تستحق من عناية وتكريم، حتى تعيش حياتها في كنف الكرامة الإنسانية المنشودة.
والموضوع يتعلق بقضية يومية يعيشها المجتمع بأفراده وهيئاته، ويتعرض لتحدياتها في كل لحظة نظرا لتباين الفرص الممنوحة لأبنائه، ووجود فئة تعاني نقصا في هذه الفرص المتاحة، والتي تعرف بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة.
فما المراد بهذا الاصطلاح "ذوي الاحتياجات الخاصة"؟ وما موقع هذه الفئة في المنظومة التشريعية للإسلام؟ وكيف تعامل الإسلام معها اعتبارا وتكليفا، منحا للحقوق وتكليفا بالواجبات؟
تمهيد حول خصائص التشريع الإسلامي:
تتلخَّص رسالة الإسلام وغايته الأساسية كلها في تحقيق استقرار الإنسان، وطمأنينته، وتأمين عيش كريم يناسب مقامه وقدره عند الخالق الكريم.
ومن خصائص رسالة الإسلام الشمول والعموم، فقد جاءت رسالة شاملة لكل مناحي الحياة، لا تغفل جانبا مما تمس إليه حاجة الناس، كما أنها تضم تحت مظلتها كل نشاط الإنسان الروحي والمادي، الفردي والاجتماعي، الفكري والاقتصادي، فضلا عن كونها نظاما عاما لكل فئات المجتمع، لا يقصي أحدا، ولا يستثنيه، ذكرا كان أم أنثى، صغيرا كان أم كبيرا، سليما كان أم سقيما، فأحكام الشريعة لا تحرم أي فئة من رحابها، لأن الإسلام دين الجميع وليس دين النخبة. بل إنه يتناول الإنسان قبل مجيئه إلى المجتمع وهو ينمو في بطن أمه جنينا، إلى أن يغيب عن الأحياء ويصبح في التراب دفينا.
فلكلِّ شخص موقعه في هذه المنظومة التشريعية، إثباتا للحقوق، وتكليفا بالواجبات، بما يحقق التوازن والعدالة، ويكفل كرامة الإنسان، هذه الكرامة التي جعلها الخالق وصفا لصيقا بهذا الكائن، لا يجرؤ أحد على المساس بها أو انتزاعها مهما كانت الدوافع والمبررات.
وتتجسد مقاصد الشريعة في الحفاظ على الكليات الخمس كما قررها علماء الإسلام، وهي حفظ الدين والعقل والنفس والنسل والمال.
وقد أفاض علماء الشريعة في بيان هذه المقاصد، وما تنضوي عليه من جلب للمنافع ودفع للمفاسد والمضار، بحيث يشعر الإنسان معها أنه يعيش حياته الإنسانية الحقة، ويتمتع بما أفاض الله عليه من تكريم أصيل، لا يمتن به بشر، ولا يتهدد بسلبه منه أحد.
وأصل تكريم الإنسان مقرر في آي الذكر الحكيم: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْـنَاهُم مِّنَ الطَّـيِّـبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}[سورة الإسراء:70].
وقد قضت الشريعة الإسلامية بمنح الإنسان حقوقه الأساسية المتمثلة في الحرية والكرامة والمساواة والعدالة، وضمان ضروريات العيش بقطع النظر عن جنسه ولونه ومعتقده وانتمائه الاجتماعي أو الجغرافي، لأن أساس التشريع الإسلامي إقامة الحق والعدل بين الناس، وتحقيق التوازن في الربط بين الحقوق والواجبات، ووضع الضمانات الحقيقية الكفيلة بنيل كل صاحب حق حقه بصورة ميسورة، وعند الاقتضاء يلجأ إلى الإحسان حسب الحالات الخاصة والظروف الاستثنائية.
من هذا المدخل المنهجي الأساسي ننطلق إلى الموضوع المقصود ألا وهو تحديد واجبات المسلم المعاق في الإسلام، وبيان التناغم الموجود بين قدراته وتكاليفه.
ونبدأ بمفهوم الإعاقة وأسبابها، وعناية الإسلام بهذه الفئة ضمن أحكامه، ثم نعرج على واجبات المعاق ودوره الاجتماعي، وأهمية عنصره لتحقيق رفاه المجتمع وتماسك أفراده، وضمان تضافر فئات المجتمع وتواصل أجياله مهما تباينت بينهم المسافات العمرية، أو المراتب الاجتماعية، أو الفرص الصحية، أو الإمكانات العلمية، أو غير ذلك من الاختلافات التي يقع بسببها الخلاف بين الناس، بينما هي في الواقع عوامل تقارب واستفادة تجارب، ولكن أنانية الإنسان وقصوره جعل منها عوامل فجوة وجفوة، وسبب صراع ونزاع؛ فأورثت اختلالا في بناء المجتمع، وأفضت إلى القطيعة والجفاء، والظلم والشقاء.
مفهوم الإعاقة:
لكل فرد على هذه الأرض وجوده وكيانه، وشخصيته المتميزة، وهو يُسهم بدوره في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والوظائف العملية، وبناء على مستوى وعيه بمهمته يكون أثره وفاعليته في المشاركة في الحياة العامة إيجابا أو سلبا، تأثُّرًا وتأثيرا.
وفي كل مجتمع فئة خاصة تتطلب تكيفا خاصا مع البيئة التي تعيش فيها، وذلك نتيجة لوضعها الصحي الخاص، نظرا لخلل أصابها في فترة من فترات حياتها(1).
فما هي سمات وملامح هذه الفئة؟ ومتى نصف السلوك بأنه سلوك معاق؟ وما حقيقة الإعاقة في المنظور الإسلامي؟ وماذا يجب على المجتمع تجاه هذه الفئة؟ وما هي حقوقها وواجباتها في الشريعة الإسلامية؟ وهل تتناسب تلك التكاليف ووضعيتهم وقدراتهم؟ أم هم في ذلك كسائر المكلفين سواء؟
وللأسف فإن الناس اصطلحوا على عزل هذه الفئة وتواطؤوا على وضعها تحت الحجر النفسي والاجتماعي بما يحيطونها به من عبارات الانتقاص والإقصاء، من مثل كلمة «المعوقين» و«أصحاب الإعاقات».
لذلك وجدنا هذه الفئة قد اتخذت لها نمطا في السلوك ووضعا متميزا بين فئات المجتمع، يتسم بالانعزال والانطواء، والبعد عن الأضواء لما يرمقها به الناس من نظرة شزراء، فيها مزيج من الشفقة والازدراء.
نظرة الإسلام للإعاقة:
من الطريف الإشارة في البدء إلى المفهوم الخاص للإعاقة في الإسلام، المتمثل في تعطيل الإنسان الحواس السليمة عن وظيفتها بمحض إرادته، مع قدرته على توظيفها فيما خُلقت له، دون أن يكون بها خلل أو عطَل حقيقي، لأنَّ العجز حالة مرفوع فيها الحرج، وليس على صاحبه ملام.
فالإنسان الـمَعُوق في المفهوم القرآني ليس من كان به عجزٌ أصيل أو طارئ منعه من استعمال حواسه وجوارحه في قضاء حوائجه وأداء مهمته في الحياة، ولكنه الفرد السليم الذي عطَّل هذه الحواس عن العمل وأهملها فلم يقم بحق الله فيها، من التأمل في خلق الله وشكر أنعم الله، واستعمالها فيما يرضي الله. قال الله عز وجل: {اَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الاَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوَ اذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الاَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ التِي فِي الصُّدُورِ} [سورة الحج: 46].
وعذرُ المعوق قائمٌ بصريح نصوص القرآن الكريم: في قول الله عز وجل: {لَيْسَ عَلَى الاَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الاَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُّطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ نُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَنْهَارُ وَمَنْ يَّتَوَلَّ نُعَذِّبْهُ عَذَابًا اَلِيمًا}[سورة الفتح:17].
فمدارُ المسؤولية قائمٌ على القدرة، ومدى توظيف طاقة الإنسان في طاعة الرحمن، ومن فقد القدرة فلا حرج عليه، ومن أهملها كان متولّيا ومدبرًا عن تحمل المسؤولية، وذلك مستتبع للجزاء وسوء المصير.
ومن جهة أخرى فإن إهمال الأسوياء الأصحاء للمعوزين المعوقين يعتبر إعاقة بالمنظور الإسلامي، وتقصيرًا في قيام هؤلاء بواجباتهم الشرعية من رعاية هؤلاء العاجزين حتى يحيوا حياة كريمة كسائر فئات المجتمع. ولذلك ذهب البعض إلى القول بأنه لا يوجد فرد معاق، بل هناك مجتمع معاق.
ولذا كان من الضروري تصحيح هذا الخطإ وتدارك هذا القصور بفتح أعين الناس لرؤية هؤلاء المحرومين ووجوب القيام بحقوقهم لزاما لا امتنانا ولا تطوعا.
وتكيّف هذه الفئة لا يقع على عاتقها نفسها، بل يقع على كواهل الهيئة الاجتماعية ومن يحيطون بها، ويتم ذلك بتوفير الاهتمام المناسب لهم، واعتبارهم بشرا كسائر الناس الآخرين، لهم وجودهم وشخصيتهم، ولهم الحق أن يمارسوا حياتهم الإنسانية الكريمة.
أسباب الإعاقة:
شاع في قاموسنا اليومي استعمال كلمة «مُعاق» وهى من أصل «عوق» الذي يدلُّ على المنع والاحتباس، فكلُّ ما يمنعك عن فعل أي شئ تريده، فهو عائق لا يُمَكّنك من ممارسة حياتك على الشكل السوي، وخاصة الأنشطة اليومية من خدمة النفس الذاتية، والأنشطة التعليمية، والعلاقات الاجتماعية، وحتى الاقتصادية أيضا.
وقد جاء في الإعلان الخاص بحقوق المعوقين تعريف المعوق بأنه «أيُّ شخص عاجز عن أن يؤمن بنفسه، بصورة كلية أو جزئية، ضرورات حياته الفردية و/أو الاجتماعية العادية بسبب قصور خلقي أو غير خلقي في قدراته الجسمانية أو العقلية»(2).
ويمكن تصنيف أسباب الإعاقة إلى ثلاثة:
أسباب وراثية، وأسباب مرضية، وأسباب تعود إلى حوادث الحياة المختلفة منذ مولد الإنسان إلى وفاته.
1 ـ الأسباب الوراثية: وهى التي تنتقل بالوراثة من جيل إلى جيل، أي من الآباء إلى الأبناء عن طريق الجينات الموجودة في الخلايا. وإن كانت الأسباب الوراثية تسهم بنسب أقل من الأسباب البيئية إلا أنها موجودة، وتمثل نسبة معتبرة من حالات الإعاقة، ومن هذه الحالات: الضعف العقلي، مرض السكري، والنقص الوراثي في إفرازات الغدة الدرقية مما يؤدى إلى نقص النمو الجسمي والعقلي.
2 ـ الأسباب البيئية، وتكون بسبب مرض أو حادث.
وهذه الأسباب أو العوامل البيئية لا توجد داخل الكائن الحي، وإنما تأتيه من خارج نطاق جسده لكنها تسير جنباً إلى جنب مع العوامل الوراثية وتسير في علاقة تفاعلية معها.
والعوامل البيئية كثيرة جدا، فمنها ما يعود إلى فترة الحمل، بسبب استعمال الأدوية والتعرض للأشعة وتناول المواد السامة كالتدخين والخمر وأمثالها، مما يؤدي إلى تشوهات خلقية في الجنين. وثمة عوامل أثناء الولادة: بسبب نزيف في الولادة، أو كبر في حجم الولد مما يعسر ولادته، أو إهمال في نظافته فيعقبه إعاقة ما.
وقد تكون هذه العوامل بعد الولادة فيصاب بالأمراض المختلفة بسبب الإهمال في مواعيد التطعيم، والإنسان بعد هذا معرض طيلة حياته لإصابات الحوادث المختلفة، سواء في المنـزل أو في العمل أو حوادث المرور. أو الحروب التي تشتعل نيرانها في بقاع شتى من العالم. وتعتبر حوادث الطرقات والحروب من أكثر العوامل إصابة بالعوق لملايين الناس في العالم سنويا.
تعامل الإسلام مع أسباب الإعاقة:
يتركز تعامُل الإسلام مع أسباب الإعاقة بالسعي للتضييق منها والتقليل من آثارها، وجل تشريعات الفقه الإسلامي تسعى لتحقيق هذا الغرض.
ويمكن إيجاز هذه الإجراءات في النقاط الآتية:
* ـ منع العدوان على النفس: وذلك بالنهي عن قتل النفس وعن الإلقاء بها إلى التهلكة. فقد جاء في الذكر الحكيم قول الحق عز وجل: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}[سورة النساء:29]. وقال: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمُ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[سورة البقرة:195].
وتوعَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهلك نفسه وعيدا شديدا في ما رواه أبو هريرة: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُ نَفْسَهُ فِي النَّارِ، وَاَلَّذِي يَقْتَحِمُ نَفْسَهُ يَقْتَحِمُ نَفْسَهُ فِي النَّارِ، وَاَلَّذِي يَطْعَنُ نَفْسَهُ يَطْعَنُ نَفْسَهُ فِي النَّارِ». وقَالَ أيضا «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا, وَمَنْ تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا, وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا»(3).
*ـ منع العدوان على الغير، والنهي عن القتل والعدوان الجسدي، وهذا ما يجسده الفقه الجنائي، وما يحتويه من تشريع العقوبات على هذه الاعتداءات إما قصاصا وإما تعويضا بالدية أو الأروش في جنايات الجروح فيما دون النفس.
ففي وعيد القتل قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَّقْتُلْ مُومِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [سورة النساء:93]. هذا عن الجزاء الأخروي، أما عن عقوبة هذه الجريمة الدنيوية فقال تعالى: {وَلَكُمْ فِي اْلقِصَاصِ حَيَاةٌ يَآ أُوْلِي الاَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: 179].
وفي جزاء العدوان على الإنسان بأنواعه: قال الله عز وجل: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالاَنفَ بِالاَنفِ وَالاُذْنَ بِالاُذْنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [سورة المائدة: 45].
وينتظم تحت هذه التعاليم قوانين المرور؛ وهي في مجملها تحقق مقاصد الشريعة وتنسجم مع قواعدها في حفظ النفس من الموت ومن الضرر والعطب، ذلك لأن حوادث المرور تذهب بأرواح الملايين سنويا،كما تسبب أعدادا كبيرة من حالات الإعاقة، فيكون امتثال قوانين المرور واجبا شرعيا، لا قانونيا فقط، لما له من دور في الحفاظ على أرواح الناس وأبدانهم، وعلى أموالهم كذلك.
*ـ تجنب أسباب المرض، وينتظم هذا الطب الوقائي الذي سنه الرسول صلى الله عليه وسلم «عَن أَبِي سَلَمَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ بَعْدُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ»(4). فقرر اجتناب أسباب المرض فيما ثبت فيه انتقال الجراثيم، وهي الأمراض المعدية، حتى يقلل من الإصابة بها، ويسلم سائر الناس، ويوضع المرضى في الحجر الصحي إلى حين شفائهم.
ولكن هذا لا يعني حشر المعوقين كلهم في هذه الخانة، بل هم فئة حرمت نعمة الصحة والعافية، ولا يلزم من ذلك عدواهم لغيرهم بالضرورة، ولذلك ورد الحديث النبوي الشريف بخصوص هذه الحالة تثبت أن العدوى بقضاء وقدر. فعَن أَبِي سَلَمَةَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا عَدْوَى وَلا صَفَرَ وَلا هَامَةَ، وفِرَّ مِن الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِن الأَسَدِ»(5).
وعَن ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إلَى الشَّامِ , حَتَّى إذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ التُّجَّارُ فَقَالُوا: الأَرْضُ سَقِيمَةٌ; فَاسْتَشَارَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ، فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فَعَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ, فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَفِرَارًا مِن قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرَ: لَوْ غَيْرُك يَقُولُهَا يَا أَبَا عُبَيْدَة , نَفِرُّ مِن قَدَرِ اللَّهِ إلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْت لَوْ كَانَ لَك إبِلٌ فَهَبَطْت بِهَا وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إحْدَاهُمَا خَصِيبَةٌ وَالأُخْرَى جَدِيبَةٌ أَلَسْت إنْ رَعَيْت الْخَصِيبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْت الْجَدِيبَةَ رَعَيْتهَا بِقَدَرِ اللَّهِ؟ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ عَوْفٍ فَقَالَ : عِنْدِي مِن هَذَا عِلْمٌ , سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فِي أَرْضٍ فَلا تَقْدُمُوا عَلَيْهِ, وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنهُ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ وَانْصَرَفَ»(6).
وتقرير الإسلام أن العدوى لا تكون إلا بقدر الله تعالى جعل المسلمين لا يفرون من المعوقين بل يقتربون منهم ويعاملونهم معاملة حسنى، خلافا لما كان شائعا في مجتمعات كثيرة من عزل المعوقين في أماكن محصورة خشية من عدواهم.
*ـ العلاج من المرض، بعدم ترك الأمر يتفاقم فيفضي إلى مضرة أكبر تتمثل في وفاة أو زمانة وإعاقة مستديمة. فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتدواي، وتداوى أيضا، وأقرّ الصحابة على ذلك.
وفي كتب الفقه والسنة دلائل عديدة تشهد لهذا المنهج النبوي الصارم في محاربة الآفات ومنع أسباب الإعاقة والهلاك.
فقد جاء في كتاب المصنف لابن أبي شيبة: «عَن هِلالِ بْنِ يَسَافٍ قَالَ: جُرِحَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : اُدْعُوا لَهُ الطَّبِيبَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَلْ يُغْنِي عَنهُ الطَّبِيبُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ; إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إلاَّ أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً»، وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِن دَاءٍ إلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً إلا الموت»(7).
معاملة المعاق في الإسلام
يتَّجه الإسلام في تعامل الناس عموما، وهذه الفئة خصوصا إلى مراعاة الجوانب النفسية والمعنوية فضلا عن الجوانب المادية الجسدية، فحرم النبز بالألقاب وذكر الإنسان بما يكره من الصفات، واعتبره غيبة محرمة، فقد روى أبو هريرة «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ»(8).
هذه الكلمة قاسية جداً على نفس الشخص الذي تنقصه قدرات أو مهارات لاستخدام كل ما منحه الله من إمكانيات بالشكل الطبيعي والسليم، ولنحذر أن نكون نحن المعاقين بتصرفاتنا الخاطئة تجاه هؤلاء الأشخاص، بل نعاملهم كأنهم أشخاص عاديون، رغم احتياجهم للمساعدة، فلا نؤزم أوضاعهم بإشعارهم بالدُّون لأنهم حُرموا بعض نعم الله التي أسبغها علينا ابتلاء لا تفضيلا وتشريفا.
ومن الإنصاف أن نذكر أن الوعي بهذه القضية أخذ يتنامى في السنوات الأخيرة، فلم يعد يستخدم العوق Handicapped في العديد من المؤسسات والهيئات والأفراد والعاملين في مجالات الرعاية الصحية والتربوية والسلوكية والاجتماعية لهذه الفئة، وأصبح الاسم المستساغ هو أنهم من «ذوي الحاجات الخاصة» التي تعني وجود اختلاف جوهري عن المتوسط أو العادي الذي يتمتَّع به سائر الأفراد.
إن كلمة «معوق» تجرح قلب صاحبها فكان إطلاقها محظورا في المنظور الإسلامي، بل يجب اختيار أحسن الأوصاف وأحبها إلى قلبه. وتلك بعض حقوق المسلم العامة.
وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِه،ِ وَمَنْ فَرَّجَ عَن مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنهُ كُرْبَةً مِن كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »(9).
ومن حُقُوقُ الْمُسْلِمِ على أخيه أن يُحِبَّ لَهُ مِن الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ , وَيَكُفَّ عَنهُ شَرَّهُ مَا اسْتَطَاعَ , فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ , وَيَبْذُلَ لَهُ مِن خَيْرِهِ مَا اسْتَطَاعَ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ , فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ فَكَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ . فَإِنْ كَانَ مِن الْقَرَابَةِ فَيَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ حَقُّ صِلَةِ الرَّحِمِ بِالإِحْسَانِ وَالزِّيَارَةِ وَحُسْنُ الْكَلامِ وَاحْتِمَالُ الْجَفَاءِ، وإن كان من ذوي الاحتياجات الخاصة كانت حقوقه أولى وأوكد، والاهتمام به أهم وأعظم.
وقد راعاه الرسول صلى الله عليه وسلم حتى في صلاة الجماعة، فأوصى الأئمة بالتخفيف إشفاقا بهم: «عَن أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لا أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلاةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلانٌ فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِن يَوْمِئِذٍ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ»(10).
واعتبر وجود الضعفاء خيرا وسببا للرزق والنصر واستجابة الدعاء، ولذلك كان يقول: «أَبْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ»(11).
وجوب رعاية المحتاجين من ذوي الاحتياجات الخاصة
من المتفق عليه بين الفقهاء وجوب إعانة المضطر إلى الطعام والشراب بإعطائه ما يدفع عنه المضرة والهلاك، ويحفظ عليه حياته، ويتهددها من غرق أو حريق أو سبع أو غير ذلك، وقد يكون الواجب عينيا على القادر، أو كفائيا إذا وجد غيره للقيام بهذا الواجب، وإن تركوه جميعا بلا عذر حتى هلك المضطر أثموا جميعا «لِمَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا , فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا , فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ , فَقَالُوا لَهُمْ: إنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ أَنْ تُقَطَّعَ, فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ, فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ رضي الله عنه, فَقَالَ لَهُمْ: فَهَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِم السِّلاحَ؟ , وَمِثْلُ ذَلِكَ إعَانَةُ الأَعْمَى إذَا تَعَرَّضَ لِهَلاكٍ, وَإِعَانَةُ الصَّغِيرِ لإِنْقَاذِهِ مِن عَقْرَبٍ وَنَحْوِهِ»(12).
ويدخل هذا في عموم أمر الله تعالى بالتعاون على البر ودفع الضر قال الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى اَلاِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[سورة المائدة:2].
وَكُلَّمَا كَانَ هُنَاكَ رَابِطَةُ قَرَابَةٍ أَوْ حِرْفَةٍ كَانَ التَّعَاوُنُ بَيْنَهُمْ أَوْجَبَ(13).
جوانب العنـاية بذوي الاحتـياجات الخـاصـة:
تتمُّ العناية بهذه الفئة من الجانب المادي أولا، وذلك بتوفير الوسائل المناسبة لهم، والتكفل بأعباء المعوق علاجا ورعاية، وهو عبء واقع بصفة إلزامية على الأسرة أو الكافل الشرعي، وعند العجز تنتقل المسؤولية إلى المجتمع أو الدولة، عن طريق فريضة الزكاة، وبيت المال، والأوقاف.
ويتوازى مع العناية المادية الجانب النفسي والاجتماعي، وهو على درجة بالغة الأهمية والأثر, وعلى المجتمع دور أساسي في الرعاية النفسية والاجتماعية للمعوق وإدماجه في الحياة وكسر حاجز الطوق النفسي الذي يعزله عن مجريات الأحداث ومشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم، وتتمثل هذه العناية في دوائر منداحة تبدأ من نطاق الأسرة وهي المحضن الأصلي والطبيعي للإنسان السوي وذي الاحتياجات الخاصة على السواء، ثم تنداح الدائرة إلى نطاق المدرسة، ثم المجتمع العام، بمؤسساته المختلفة الرسمية والأهلية. وكل يقوم بدوره تجاه هؤلاء المحرومين.
التخفيف النفسي على المريض:
أولى الإسلام عناية بالغة بالمرضى وحث على زيارتهم ووعد عليها أجرا جزيلا، وانتظمت كتب الفقه أحكامه فيما عرف بحقوق المريض وآداب زيارته.
فمن آداب الزيارة التخفيف على المريض بتسليته وتذكيره بجزاء الصابرين، وتبصيره بالجوانب الخفية للمرض من تكفير الذنوب وتعظيم الأجر وتقوية صلة العبد بربه، وتفكره في أنعمه الأخرى وهي عديدة، وعدم التركيز على تلك العاهة أو المرض، وهذا جانب مهم في تحقيق الراحة والانسجام للمريض، وتقبل حالته عند استعصاء تحسينها أو علاجها. لئلا يصاب بالانطواء وفقدان الأمل، فينظر إلى الحياة وإلى الناس نظرة سوداء، مما يزيد من تعقيد مرضه وتأزيم وضعيته النفسية.
وفي التاريخ الإسلامي صفحات ناصعة من جهود المسلمين وقيامهم بواجب العناية الاجتماعية والرعاية النفسية لهذه الفئة من أبناء المجتمع، فيما عرف بالبيمارستانات، أو المستشفيات المخصصة لذوي الأمراض المزمنة والعاهات المستديمة، إذ أقيمت في مناطق جذابة على ربوات خضراء، تمر بها المياه والجداول، وتزهر فيها الورود والخمائل، ويقوم بالعناية بالمرضى فيها أطباء وخدم يقدمون العلاج المادي والنفسي ويروحون عن المهمومين، وذلك كله بدون مقابل، لأن تلك المستشفيات كانت أوقافا تبرع بها المحسنون لرعاية هؤلاء المحرومين.
واجـبات المسـلم الـمُعاق
*ـ من خصائص الإسلام التوازن في نظامه وتشريعه، وفي مبادئه وأصوله، إذ لا نجد قسما نال حظا موفورا، وقسما أغفل ولم ينل حظه من العناية والرعاية.
فقد جمع بين الدنيا والآخرة، وبين مطالب الجسد وأشواق الروح، ووازن بين الحقوق والواجبات للرجل والمرأة على حد سواء، كما عني بتحقيق التوازن في كل حالات المكلف بما يفي بإقامة العدل والإنصاف.
من مميزات هذا التشريع تناظر الحقوق والواجبات، وتكافؤها في الأساس، فنجد إزاء كل حق من الحقوق الممنوحة نظائره من الواجبات المطلوبة أو الشروط المستلزمة، وبين هذين الطرفين تكافؤ وتعادل دقيق.
ففي شأن النساء يقول الله عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[سورة البقرة:228]. فللنساء حقوق هي واجبات على الرجال، وعلى النساء واجبات هي حقوق للرجال، ثم خصَّص مزيد درجة للرجال ليست تمييزا بقدر ما هو تحميل لمسؤولية أكبر هي قيادة المركبة وتأمين المسار، وحماية الركب من الأخطار.
*ـ لا يقع التكليف على الصغار: ومن واجبات الآباء تجاه الأبناء؛ حقُّ الرعاية والتربية، ويتأكد هذا إذا كان بالولد عائق يمنعه من ممارسة نشاطه ومناولة نفسه على الوجه المعتاد.
وليس على الطفل في الأساس مسؤولية ولا تبعة شرعا ولا عرفا ولا قانونا. ما لم يبلغ سن التكليف الشرعي أو الرشد القانوني. وهو في هذه المرحلة يأخذ حقوقا ولا يكلف بواجبات، إلا ما كان تدريبا أو تأديبا حتى ينشأ على الاستقامة والفضيلة. ويهيأ لتحمل كامل مسؤولياته عند البلوغ.
وإذا تجاوز هذه المرحلة تحمل عبء التكاليف الشرعية ما توافرت فيه شروطه المحددة في كتب الفقه والأحكام. وإن ثبت به عجز كان مرفوعا عنه القلم، سواء بصورة مؤقتة أو دائمة، كما قال صلى الله عليه وسلم : «رُفِعَ الْقَلَمُ عَن ثَلاثَةٍ: عَن النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَن الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَن الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ»(14).
وعدم تكليف الصبي لعدم الاستطاعة، التي هي أساس كل تكاليف الإسلام، لأنه قائم على المنطق والمعقول وهو التكليف بما في وسع الإنسان رحمة وتفضلا من الرحيم الرحمن، واستجابة لدعاء علمنا أن نقوله في القرآن: قال الله عز وجل: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا اِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اَكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُوَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوَ اَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ}[سورة البقرة: 286].
والحق أن قائمة التكاليف في الإسلام تشمل كل من توافرت فيه الاستطاعة، ثم يقع التخفيف حسب الأعذار والحالات، ولا تنضبط بعدد أو أمثلة محدودة، فلكل حالة حكمها، وما يناسبها، وضابطُها تَعَلُّقُ التكليف بالقدرة على الامتثال. وعند العجز يسقط من الأمر ما لا يمكن المكلف من أدائه، ويبقى في ذمته ما يقدر عليه وفق الميزان القرآني الخالد: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن: 16].
وقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ القرآني بقوله: «إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»(15).
وهذا الحديث الشريف يعتمده الفقهاء في بيان أحكام الضرورة وأحوال المعوقين، ومن عجز عن الإتيان بالأمر الشرعي من عبادة ونحوها.
فعند عجز الإنسان عن تحمل الواجبات بعذر مشروع، فإن الإسلام يتنـازل عن مطالبته بذلك الواجب، ولكن لا يمنعه حقه مقابل ذلك الإعفاء، بل يؤكد على تمكينه من حقه، ومساعدته على ذلك إن كان به عائق يحول دون حصوله عليه.
وفئة ذوي الاحتياجات الخاصة قد وفّر الإسلام لها مزايا تشمل جانب المنح وجانب الإعفاء، وعدم التكليف بما كلف به غيرهم من الأسوياء، وتسويغ ما لا يسوغ لغيرهم، وذلك بقدر الحاجة الدافعة، والمصلحة المقصودة.
والنصوص التي تتناول هذه الفئة تقوم على معايير عامة لتشمل كل أنواع الفئات ذات الاحتياجات الخاصة، ولا تنحصر في فئة معينة، تحقيقا لشمول الإسلام وعمومه للزمان والمكان. واستيعابه لما تفرزه الحضارات وأحوال المجتمعات من حالات لم تكن معروفة زمن التنـزيل. ولذلك نجد في الفقه الإسلامي التعبير بكلمة «الزَّمْنَى» وهم ذوو الأمراض المزمنة التي تتسم بالاستمرار والدوام. علما بأن النصوص الشرعية التي تناولت هذه الفئات جاءت على سبيل التمثيل لا الحصر، وتركت اعتبار ما يستجد بناء على الحاجة أو الضرورة وعلة التخفيف وهي الضعف. وهو ما استقر في علم أصول الفقه بقاعدة «العبرة بعموم النَّص لا بخصُوص السبب».
من هنا تأتي رعاية الإسلام لذوي الاحتياجات الخاصة، بكل صنوفهم سواء كانوا مرضى بالوراثة والخلقة، أم بعاهة طارئة، أم بحادث مروري أو عملي، أو لكبر سن وهرم، فهؤلاء وضعتهم ظروف الحياة في هامش الميدان، فلزم إشراكهم في نمط الحياة اليومية وإدماجهم في النشاط الاجتماعي قدر المستطاع.
التوجه العالمي اليوم يدعو إلى الرعاية الأسرية للمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، لتعذر القيام بهم في المراكز العامة وفقدان الرعاية النفسية الطبيعية فيها، وهو ما لا يوجد إلا ضمن الجو الأسري الحميمي، ومن هنا ندرك أهمية توجيه القرآن للعناية بالوالدين، وبخاصة في مرحلة الكبر، لما لها من أثر خطير على استقرارهما النفسي، وبالتالي على صحتهما الجسدية، {وَقَضَى رَبـُّكَ أَلاَّ تَعْـبُدُوا إِلآَّ إِيـَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا اِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} [سورة الإسراء: 23]
أنماط من التشريعات تخص المعوق في الفقه الإسلامي
*ـ التشريعات الخاصة بالمعوقين في الإسلام يضبطها الأصل العام في قول الله عز وجل: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا اِلاَّ وُسْعَهَا}[سورة البقرة:.286.]. وقوله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[سورة الحج: 78].
ومن هنا وُضعت قاعدة أساسية من قواعد الفقه الإسلامي، وهي أن «المشقَّة تجلب التيسير» وحدد الفقهاء مسائل كثيرة تحت «نظرية الضرورة» و«رفع الحرج».
ويضمُّ القرآن والسنَّة وكتب الفقه طائفة من هذه الأحكام، منها:
* أنَّ القرآن الكريم نصَّ على التخفيف على المريض بإباحة التيمم عند العجز عن استعمال الماء.
* جواز الصلاة قاعدًا لمن عجز عن القيام.
* إباحة الفطر بسبب المرض وقضائه عند القدرة.
* جواز الجمع بين الصلاتين للمستحاضة، والمصاب بسلس البول، وللمبطون الذي أصابه الإسهال، لتعذر الحفاظ على الطهارة وقتا طويلا.
* سقوط وجوب الجُمعة عن العاجز عن المشي للصلاة.
* كما يسقط الحجُّ عند العجز البدني.
* وراعى الفقه حالة الأصمِّ في تكاليفه بما يتناسب وقدراته.
* وأسقط عن الأخرس فرض القراءة في الصلاة، فيجزئه الإيماء، وكذا شهادته وعقوده تصح بما يكشف عن مقصوده بالإشارة الموضحة.
* وعفا عن الأعمى فلم يوجب عليه ما أوجب على المبصرين.
نماذج من رعاية التخفيف على المعوق والعاجز عن التكاليف
*ـ جواز التيمم عند فقد الماء والعجز عنه:
كمن فقد الماء للصلاة فإن التيمُّم يكفيه، ولو طال به الأمد، وكذا المريض الذي يضره الماء. وهو صريح نص القرآن الكريم: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ اَوْ جَآءَ اَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [سورة النساء:43].
جاء في كتاب المحلَّى لابن حزم: «وَمَنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ بِحَيْثُ لا يَجِدُ تُرَابًا وَلَا مَاءً أَوْ كَانَ مَصْلُوبًا وَجَاءَتْ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ كَمَا هُوَ وَصَلاتُهُ تَامَّةٌ وَلا يُعِيدُهَا, سَوَاءٌ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ أَوْ لَمْ يَجِدْهُ إلاَّ بَعْدَ الْوَقْتِ . بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقوله تعالى : {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا اِلاَّ وُسْعَهَا} وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وقوله تعالى : {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ إلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمُ إلَيْهِ} فَصَحَّ بِهَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّهُ لا يَلْزَمُنَا مِن الشَّرَائِعِ إلاَّ مَا اسْتَطَعْنَا, وَأَنَّ مَا لَمْ نَسْتَطِعْهُ فَسَاقِطٌ عَنَّا , وَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْنَا تَرْكَ الْوُضُوءِ أَو التَّيَمُّمِ لِلصَّلاَةِ إلاَّ أَنْ نُضْطَرَّ إلَيْهِ , وَالْمَمْنُوعُ مِن الْمَاءِ وَالتُّرَابِ مُضْطَرٌّ إلَى مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ مِن تَرْكِ التَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ أَو التُّرَابِ , فَسَقَطَ عَنَّا تَحْرِيمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ , وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّلاَةِ بِتَوْفِيَتِهَا أَحْكَامَهَا وَبِالإِيمَانِ , فَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ , فَإِذَا صَلَّى كَمَا ذَكَرْنَا فَقَدْ صَلَّى كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى , وَمَنْ صَلَّى كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ»(16).
وفي نفس المصدر جاء «مَنْ عَجَزَ عَن بَعْضِ أَعْضَائِهِ فِي الطَّهَارَةِ : مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ رِجْلاهُ أَوْ بَعْضُ ذَلِكَ سَقَطَ عَنهُ حُكْمُهُ , وَبَقِيَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا بَقِيَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَإِنْ كَانَ فِي الْجَسَدِ جُرْحٌ سَقَطَ حُكْمُهُ وَبَقِيَ فَرْضُ غَسْلِ سَائِرِ الجَسَدِ أَو الأَعْضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ, فَإِنْ عَمَّت القُرُوحُ يَدَيْهِ أَوْ يَدَهُ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ وَجْهَهُ أَوْ بَعْضَ جَسَدِهِ, فَإِنْ أَخْرَجَهُ ذَلِكَ إلَى اسْمِ المَرَضِ وَكَانَ عَلَيْهِ مِن إمْسَاسِهِ الْمَاءَ حَرَجٌ تَيَمَّمَ فَقَطْ , لأنّ هَذَا حُكْمُ المَرِيضِ , وَإِنْ كَانَ لا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي المَاءِ غَمَسَهُ فَقَطْ وَأَجْزَأَهُ , أَوْ صَبَّ عَلَيْهِ المَاءَ وَأَجْزَأَهُ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يُخْرِجْهُ إلَى اسْمِ المَرَضِ غَسَلَ مَا أَمْكَنَهُ وَسَقَطَ عَنهُ مَا عَلَيْهِ فِيهِ حَرَجٌ فَقَطْ كَثُرَ أَوْ قَلَّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ»(17).
*ـ العجز عن الركوع والسجود في الصلاة:
وقال في العاجز عن الركوع أو السجود: «فَمَنْ عَجَزَ عَن الرُّكُوعِ أَوْ عَن السُّجُودِ خَفَضَ لِذَلِكَ قَدْرَ طَاقَتِهِ فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرَ مِن الإِيمَاءِ أَوْمَأَ . وَمَنْ لَمْ يَجِدْ لِلزِّحَامِ أَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ لِلسُّجُودِ فَلْيَسْجُدْ عَلَى رِجْل مِن أَمَامِهِ, ... وروينا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : مَنْ آذَاهُ الْحَرُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيَبْسُطْ ثَوْبَهُ وَيَسْجُدْ عَلَيْهِ , وَمَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى لا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الأَرْضِ فَلْيَسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ... وعَن نَافِعٍ عَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إذَا كَانَ الْمَرِيضُ لا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوعِ وَلا عَلَى السُّجُودِ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ »(18).
* ـ صلاة المريض:
وجاء في كتاب المبسوط حول صلاة المريض «الأَصْلُ فِي صَلاةِ المَرِيضِ قوله تعالى: {الذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [سورة آل عمران:191]. قَالَ الضَّحَّاكُ فِي تَفْسِيرِهِ : هُوَ بَيَانُ حَالِ الْمَرِيضِ فِي أَدَاءِ الصَّلاَةِ عَلَى حَسَبِ الطَّاقَةِ «وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ يَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ : كَيْفَ أُصَلِّي فَقَالَ عليه الصلاة والسلام : صَلِّ قَائِمًا, فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا , فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى الْجَنْبِ تُومِئُ إيمَاءً , فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ أَوْلَى بِالْعُذْرِ» أَيْ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنكَ , وَلأَنَّ الطَّاعَةَ عَلَى حَسَبِ الطَّاقَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا اِلاَّ وُسْعَهَا} ولقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} . فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: الْمَرِيضُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ يُصَلِّي قَائِمًا, فَإِذَا عَجَزَ عَن الْقِيَامِ يُصَلِّي قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ, وَإِذَا كَانَ عَاجِزًا عَن الْقُعُودِ يُصَلِّي بِالإِيمَاءِ; لأَنَّهُ وُسْعُ مِثْلِهِ , فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ فِي أَوَّلِ الصَّلاَةِ وَعَجَزَ عَن الْقِيَامِ فَإِنَّهُ يَقْعُدُ»(19).
* ـ المحصر في الحج والعمرة:
شُرع التخفيف عن المحصر وهو المحرم الذي يقصد الحج أو العمرة فيمنعه عدوٌّ أو مرض عن الوصول إلى البيت الحرام، فيباح له التحلُّل من إحرامه ـ على خلاف في التفاصيل بين الفقهاء ـ وعذره قيام المانع العائق عن الوصول إلى الحرم لأداء النسك. وأساس المسألة قوله عز وجل: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنُ احْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [سورة البقرة:196].
ومعتمد هذا القول لدى الفقهاء ما روي «أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَحُجَّ فَكَيْفَ أَقُولُ ؟ فَقَالَ: قُولِي لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَمَحِلِّي مِن الأَرْضِ حَيْثُ تَحْبِسُنِي فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اسْتَثْنَيْتِ»(20).
*ـ يمين الأبكم واستثناؤه:
قال ابن حزم في يمين الأبكم واستثنائه: «وَيَمِينُ الأَبْكَمِ وَاسْتِثْنَاؤُهُ لازِمَانِ عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ مِن صَوْتٍ يُصَوِّتُهُ أَوْ إشَارَةٍ إنْ كَانَ مُصْمَتًا لا يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ, لِمَا ذَكَرْنَا مِن أَنَّ الأَيْمَانَ إخْبَارٌ مِن الْحَالِفِ عَن نَفْسِهِ, وَالأَبْكَمُ, وَالمُصْمَتُ, مُخَاطَبَانِ بِشَرَائِعِ الإِسْلامِ كَغَيْرِهِمَا... فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا مِن هَذِهِ الشَّرِيعَةِ مَا اسْتَطَاعَاهُ, وَأَنْ يُسْقِطَ عَنهُمَا مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِمَا, وَأَنْ يَقْبَلَ مِنهُمَا مَا يُخْبِرَانِ بِهِ عَن أَنْفُسِهِمَا حَسْبَ مَا يُطِيقَانِ وَيَلْزَمُهُمَا مَا الْتَزَمَاهُ»(21).
* ـ طلاق الأبكم:
وفي طلاق الأبكم ومن لا يحسن العربية: قال ابن حزم أيضا: «وَيُطَلِّقُ مَنْ لا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ بِلُغَتِهِ بِاللَّفْظِ الَّذِي يُتَرْجَمُ عَنهُ فِي العَرَبِيَّةِ بِالطَّلاقِ وَيُطَلِّقُ الأَبْكَمُ وَالمَرِيضُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِن الصَّوْتِ أَو الإِشَارَةِ الَّتِي يُوقِنُ بِهَا مَنْ سَمِعَهَا قَطْعًا أَنَّهُمَا أَرَادَا الطَّلاقَ»(22).
* ـ توثيق الديون للعاجز عن ذلك:
للمعوق كامل شخصيته وذمته المالية وأهليته للتعامل وإبرام العقود بيعا وشراء، ودينا ورهنا، وأخذا وعطاء، لا فرق بينه وبين سائر الأسوياء. ويتحمل تبعات تصرفاته المالية ما لم يكن محجورا لسفه فيتعلق الأمر بإجازة وليه منعا للضرر عنه وعن ماله، الذي يعود على المجتمع في النهاية فيصبح هذا السفيه عبءا عليه بعد ذلك.
ومن نماذج هذا آية الدَّين التي أوجبت توثيق الديون على جميع الناس، حفظا لأموالهم من الضياع، ولديونهم من الإنكار، ونصت على شمول الحكم للعاجزين عن إجراء هذا التوثيق، فيستعينون بمن يساعدهم على ذلك، حرصا على مصلحتهم في النهاية.
فقد جاء في آية الدين قول الله عز وجل: {يَآ أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ اِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَابَ كَاتِبٌ اَن يَّكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا اَوْ ضَعِيفًا اَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُّمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [سورة البقرة: 282].
فعجز السفيه والضعيف لعلة في عقله أو سمعه أو نطقه عن إملاء الدين لا يسوغ هضم حقه، إذ جعل الله له وليًّا يملي الدين بالعدل، منعا لاستغلال ضعفه بزيادة في دَينه أو إضاعة لماله.
***
من خلال هذه النماذج الفقهية لبعض أحكام العاجزين والضعفاء من ذوي الاحتياجات الخاصة يتجلى لنا عدل الإسلام وسعته في شمول كل أحوال الإنسان سعيا لانتظام حياتهم تحت مظلته السمحاء، ودفعا لهم للقيام بأعبائهم كسائر الأصحاء، فلا يشعرون بعزلة وإقصاء، بل يسهمون قدر مستطاعهم في تحمل الأعباء، ومشاركة المجتمع مجالات الحياة عبادة كانت أم معاملات أم علاقات اجتماعية في الأسرة وغيرها. فيحيون إيجابيين متمتعين بكامل حقوقهم وقائمين بدورهم المرتجى في تحقيق سعادتهم وسعادة من حولهم.
ومن نافلة القول أن نعرج بعد هذا إلى عرض بنود الإعلان الخاص بحقوق المعوق الذي تبنته الأمم المتحدة، لندرك مدى ملاءمته مع ما قرره الإسلام لهذه الفئة قبل أربعة عشر قرنا من الزمان، ونؤكد ضرورة تجسيد هذه البنود على أرض الواقع، إنصافا لهذه الفئة وتحقيقا للعدل الذي جاء به الإسلام في توزيع الحقوق والواجبات على جميع المكلفين وفق قاعدته الذهبية {لاَ يُكَلِّفُ اللهَ نَفْسًا اِلاَّ وُسْعَهَا}.
الإعلان الخاص بحقوق المعوقين(23):
إنَّ الجمعية العامة، إذ تذكر العهد الذي قطعته الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على أنفسها، بموجب الميثاق، بالعمل جماعة وفرادى، وبالتعاون مع المنظمة، على تشجيع رفع مستويات المعيشة وتحقيق العمالة الكاملة وتهيئة ظروف تتيح التقدم والنماء في الميدان الاقتصادي والاجتماعي، وإذ تؤكد من جديد إيمانها بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وبمبادئ السلم، وكرامة الشخص البشري وقيمته، والعدالة الاجتماعية، المعلنة في الميثاق،
وإذ تشير إلى مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، وإعلان حقوق الطفل، والإعلان الخاص بحقوق المتخلفين عقليا، وكذلك المعايير التي سبق إقرارها للتقدم الاجتماعي في دساتير واتفاقيات وتوصيات وقرارات منظمة العمل الدولية، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، ومنظمة الصحة العالمية، ومؤسسة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة، وغيرها من المنظمات المعنية،
وإذ تشير كذلك إلى قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي 1921 (د ـ 58) المؤرخ في 6 أيار/مايو 1975 بشأن الوقاية من التعويق وتأهيل المعوقين،
وإذ تنوه بأن إعلان التقدم والإنماء في المجال الاجتماعي نادى بضرورة حماية المعوقين جسمانيا وعقليا، وتأمين رفاهيتهم وتأهيلهم،
وإذ تضع نصب عينيها ضرورة الوقاية من التعويق الجسماني والعقلي، وضرورة مساعدة المعوقين على إنماء قدراتهم في أكبر عدد من ميادين النشاط المتنوعة، وضرورة العمل قدر المستطاع على إدماجهم في الحياة العادية.
وإذ تدرك أن بلدانا معيَّنة لا تستطيع، في المرحلة الحاضرة من نموها، أن تخصص لهذه الغاية سوى جهود محدودة،
تُصدر رسميا هذا الإعلان بشأن حقوق المعوقين، وتدعو إلى العمل على الصعيدين القومي والدولي، كيما يصبح هذا الإعلان أساسا مشتركا لحماية هذه الحقوق ومرجعا موحدا لذلك،
1 ـ يُقصد بكلمة «المعوق» أي شخص عاجز عن أن يؤمن بنفسه، بصورة كلية أو جزئية، ضرورات حياته الفردية و/أو الاجتماعية العادية بسبب قصور خلقي أو غير خلقي في قدراته الجسمانية أو العقلية.
2 ـ يتمتع المعوق بجميع الحقوق الواردة في هذا الإعلان، ويعترف بهذه الحقوق لجميع المعوقين دون أي استثناء وبلا تفرقة أو تمييز علي أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو بسبب أي وضع آخر ينطبق على المعوق نفسه أو على أسرته.
3 ـ للمعوق حق أصيل في أن تحترم كرامته الإنسانية وله، أيا كان منشأ وطبيعة وخطورة أوجه التعويق والقصور التي يعاني منها، نفس الحقوق الأساسية التي تكون لمواطنيه الذين هم في سنه، الأمر الذي يعني أولا وقبل كل شيء أن له الحق في التمتع بحياة لائقة، تكون طبيعية وغنية قدر المستطاع.
4 ـ للمعوق نفس الحقوق المدنية والسياسية التي يتمتع بها سواه من البشر، وتنطبق الفقرة 7 من الإعلان الخاص بحقوق المتخلفين عقليا على أي تقييد أو إلغاء للحقوق المذكورة يمكن أن يمس المعوقين عقليا.
5 ـ للمعوق الحق في التدابير التي تستهدف تمكينه من بلوغ أكبر قدر ممكن من الاستقلال الذاتي.
6 ـ للمعوق الحق في العلاج الطبي والنفسي والوظيفي بما في ذلك الأعضاء الصناعية وأجهزة التقويم، وفي التأهيل الطبي والاجتماعي، وفي التعليم، وفي التدريب والتأهيل المهنيين، وفي المساعدة، والمشورة، وفي خدمات التوظيف وغيرها من الخدمات التي تمكنه من إنماء قدراته ومهاراته إلى أقصى الحدود وتعجل بعملية إدماجه أو إعادة إدماجه في المجتمع.
7 ـ للمعوق الحق في الأمن الاقتصادي والاجتماعي وفي مستوى معيشة لائق، وله الحق، حسب قدرته، في الحصول على عمل والاحتفاظ به أو في مزاولة مهنة مفيدة ومربحة ومجزية، وفي الانتماء إلى نقابات العمال.
8 ـ للمعوقين الحق في أن تؤخذ حاجاتهم الخاصة بعين الاعتبار في كافة مراحل التخطيط الاقتصادي والاجتماعي.
9 ـ للمعوق الحق في الإقامة مع أسرته ذاتها أو مع أسرة بديلة، وفي المشاركة في جميع الأنشطة الاجتماعية أو الإبداعية أو الترفيهية. ولا يجوز إخضاع أي معوق، فيما يتعلق بالإقامة، لمعاملة مميزة غير تلك التي تقتضيها حالته أو يقتضيها التحسن المرجو له من هذه المعاملة. فإذا حتمت الضرورة أن يبقي المعوق في مؤسسة متخصصة، فيجب أن تكون بيئة هذه المؤسسة وظروف الحياة فيها على أقرب ما يستطاع من بيئة وظروف الحياة العادية للأشخاص الذين هم في سنه.
10 ـ يجب أن يُحمى المعوق من أي استغلال ومن أية أنظمة أو معاملة ذات طبيعة تمييزية أو متعسفة أو حاطَّة بالكرامة.
11 ـ يجب أن يُمَكَّن المعوق من الاستعانة بمساعدة قانونية من ذوي الاختصاص حين يتبين أن مثل هذه المساعدة لا غنى عنها لحماية شخصه أو ماله. وإذا أقيمت ضد المعوق دعوى قضائية وجب أن تراعى الإجراءات القانونية المطبقة حالته البدنية أو العقلية مراعاة تامة.
12 ـ من المفيد استشارة منظمات المعوقين في كل الأمور المتعلقة بحقوقهم.
13 ـ يتوجب إعلام المعوق وأسرته ومجتمعه المحلي، بكل الوسائل المناسبة، إعلاما كاملا بالحقوق التي يتضمنها هذا الإعلان.
مقـارنـة:
من العرض الوجيز لبعض تعاليم الإسلام بخصوص واجبات المسلم المعاق يتجلَّى لنا بوضوح مدى عدالة الإسلام، ورحمته بالمكلفين، ورعايته لأحوالهم وتفاوت قدراتهم واستطاعتهم، فلم يحمّلهم ما لا يطيقون، وتماشت تخفيفات الإسلام متناسبة مع حالات الإنسان وأوضاعه بصورة متوازنة عادلة، ولم تحرمه حقوقه لعجز منعه من القيام بواجباته، بل ضمنت له حقوقه كاملة غير منقوصة، كما هو الحال في الصبي والمجنون والمعتوه. وأمثالهم.
وهكذا يتجلَّى لنا سبق الإسلام لوضع تشريعات عادلة لرعاية المعوقين. قبل أن يتفطن له الراشدون من عقلاء الإنسانية فوضعوا ميثاق حقوق المعوق سنة 1975م.
--------------------
قائمة المراجع
1 - ابن أبي شيبة: المصنـف، ج5.
2 - ابن حزم: المحلى، ج1.
3 - أبي داود: سنن أبي داود.
4 - أحمد (الإمام): مسند أحمد.
5 - الباجي، أبو الوليد: المنتقى شرح الموطأ.
6 - البخاري (الإمام)، صحيح البخاري.
7 - الجصَّاص، أبو بكر، أحكام القرآن، ج1.
8 - مسلم (الإمام): صحيح مسلم.
9 - وزارة الأوقاف (الكويت): الموسوعة الفقهية.
--------------------
الهوامش
(1) الجوع وسوء التغذية والفقر تُخلِّف الإعاقات، وفي الوقت ذاته تُعَدُّ الإعاقة أحد أسباب الفقر وسوء التغذية والجوع. ومن الأمثلة على ذلك:
* تقول مصادر منظَّمة العمل الدولية: أن هناك 386 مليون مُعاقاً ممن هم في سن العمل في العالم، ويملك الكثير منهم القدرة والرغبة في العمل، ولكن كثيرا ما يتمُّ استبعادُهم. لذلك فان البطالة بين المعاقين تفوق كثيراً مثيلتها بين عدد السكان بشكل عام.
* 70 ـ 80 في المائة من المعاقين في آسيا ومنطقة المحيط الهادي مزارعون، أو عُمال ريفيون، أو جنود معاقون عادوا إلى المناطق الريفية. ومن الدول التي تعاني الإعاقات بشكل خاص كمبوديا حيث يوجد فيها 1.4 مليون إنسان (من بين عدد سكانها الإجمالي البالغ 8 مليون نسمة) أُصيبوا بإعاقات نتيجة للفقر والحرب وانتهاكات حقوق الإنسان.
* تعد الصراعات المسلحة والألغام الأرضية والأمراض مثل مرض التهاب السحايا من أهم أسباب الإعاقات في جميع أنحاء العالم. ففي أفغانستان أُصيب حوالي 800000 شخص ـ أي حوالي 4 في المائة من السكان ـ بالإعاقات نتيجة للحروب والفقر بشكل رئيسي.
* يصاب ما بين 250.000 و 500.000 طفل بالعمى كل عام نتيجة لنقص فيتامين (أ).
* هناك أكثر من 16 مليون معاقٍ عقليٍّ، وحوالي 50 مليون شخصاً يعانون تلفًا أقل خطورة في الدماغ بسبب الاضطرابات الناجمة عن نقص عنصر اليود.
* أكثر من نصف النساء الحوامل في العالم يعانين فقر الدم، 90 في المائة منهن يعشن في البلدان النامية.
(2) المادة رقم 1 من «الإعلان الخاص بحقوق المعوقين»، اعتمد ونشر على الـملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3447 (د ـ 30) المؤرخ في 9 كانون الأول/ديسمبر 1975.
(3) البخاري، كتاب الطب، باب شرب السم والدواء، حديث 5333.
(4) البخاري، كتاب الطب، باب لا هامة، حديث 5328.
(5) البخاري، كتاب الطب، باب لا هامة، حديث 5328.
(6) أبو بكر الجصَّاص، أحكام القرآن، ج1، ص614-615.
(7) المصنـف لابـن أبـي شيبـة، ج5، ص421، 422.
(8) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الغيبة، حديث 4690.
(9) صحيح البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، حديث رقم 2262.
(10) البخاري، كتاب العلم، باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره، حديث 88.
(11) مسند أحمد، مسند الأنصار، باقي حديث أبي الدرداء، حديث رقم 20738.
(12) الموسوعة الفقهية، مادة: إعانة.
(13) المصدر السابق، مادة إعانة.
(14) سنن أبي داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا، حديث 3825. وورد الحديث في كتب الصحاح والسنن بألفاظ متقاربة.
(15) صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله (، حديث 6744. والحديث مروي بألفاظ عدة وبطرق كثيرة في كتب الصحاح والسنن.
(16) ابن حزم، المحلى، ج1، ص363.
(17) ابن حزم، المحلى، ج1، ص363.
(18) ابن حزم، المحلى، ج2، ص297.
(19) السرخسي، المبسوط، ج1، ص212.
(20) المنتقى شرح الموطأ، لأبي الوليد الباجي، ج2، ص277.
(21) ابن حزم، المحلى، ج6، ص306.
(22) ابن حزم، المحلى، ج6، ص306.
(23) اعتمد ونشر علي الـملأ بموجب قرار الجمعية العامَّة للأمم المتحدة
3447 (د ـ 30) المؤرخ في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1975.

نشر المقال في دورية الحياة، العدد: 11، 1428هـ/2007م، ص184-208.

اسم الكاتب