الأستاذ داود عمران ملاسا الرّئيس العام لجماعة تعاون المسلمين في نيجيريا، ومدير الملتقى الإسلامي لنصرة الشّعب الفلسطيني، دخل موقع التّراث، عن طريق الشّبكة العنكبوتية، فأعجب بنشاط الجمعية، وبمنشوراتها وبفكرها، حسب ما ذكره، فكانت بينه وبين الأستاذ مصطفى بن محمد شريفي عضو مكتب الجمعية، والمشرف على الموقع، مراسلات عدّة، أنتجت علاقة حميمية مع الجمعية، أثمرت فكرة زيارة الجزائر والاتّصال بأعضاء جمعية التّراث؛ بمناسبة انعقاد ملتقًى لمناصرة الشّعب الفلسطيني.
رغم أنّ الملتقى ألغي، إلاّ أنّ الأستاذ أصرّ على القدوم إلى الجزائر للقاء إخوانه في جمعية التّراث، والاتّصال بكلّ من يمكن له تقديم يد المساعدة لمسلمي نيجيريا، الذين يعانون من مخطّطات التّنصير، ويشكون قلّة الإمكانات المادية بخاصّة. ولتسطير آفاق التّعاون بين جمعية التّراث وجماعة تعاون المسلمين في نيجيريا.
تكرّم الأستاذ مصطفى شريفي، فقام بالاتّصالات ببعض أعضاء المكتب، يستطلع آراءهم في هذه الزّيارة. بعد هذه الاتّصالات المكثّفة والمراسلات العديدة، أبلغ الأستاذ داود بإمكانية الزّيارة، وأنّ الجمعية مستعدّة لتهئية الظّروف المناسبة لإنجاح الزّيارة، وتحقيق الأهداف المنتظرة منها – حسب الإمكانات المتاحة لها – وكنّا نستعين بالله ونطلبه أن يوفّقنا في القيام بهذه المهمّة الكبيرة العظيمة، التي تدخل في إطار العمل الدّعوي، ونصرة الدّين، والاهتمام بشؤون المسلمين في العالم. حدّد الأستاذ مدّة زيارته (ما بين 21 و 26 من رجب، الموافق ل 4 و 8 من جويلية 2010م).
قدم الأخ مصطفى بن محمد شريفي من القرارة، فاجتمعنا في منزلنا بالحميز بحضور الأستاذ الحاج بكير بن يحيى الشّيخ بالحاج مدير مركّب العالية بالجزائر العاصمة، يوم الأحد 21 رجب/ 04 جويلية، لتسطير برنامج الزّيارة. فقمنا بالاتّصالات بجهات عديدة، وبأشخاص عديدين، اتّصلنا بقناة القرآن الكريم، التي أعطت الموافقة على إجراء حوار مع الأستاذ داود يوم الثلاثاء: 06 جويلية، وذلك ردّا على رسالة كنّا قد أرسلناها إلى القناة قبل ثلاثة أيّام، باسم جمعية التّراث، وقد تابع الموضوع الأخ الصّحفي بالتّلفزيون الجزائري، قاسم بن عيسى باحماني الرّاعي.
استعرضنا مجموعة من الأماكن التي يمكن أن يزورها، والشّخصيات التي يمكن أن يتّصل بها، والجهات والهيئات التي يمكن أن يقصدها للتّعريف بالجماعة التي يرأسها في نيجيريا. اتّفقنا على بعض الأسماء وبعض المؤسّسات، وبعض الأماكن. قبل نهاية اللّقاء التحق بنا الأخوان جابر بن موسى بابا عمّي، وطه بن إبراهيم كوزي؛ مُمثِّلَيْنِ لمعهد المناهج، أكملنا معهم الجلسة لضبط الأمور. انتهى اللّقاء في حدود السّاعة الثّانية عشرة.
ذهب الأخ مصطفى شريفي إلى المطار ليستقبل الأستاذ داود القادم مع الخطوط الجويّة القطرية. أي كان خطّ الرّحلة أبوجا الدّوحة الجزائر.
في حدود السّاعة السّادسة مساء تكرّم الأستاذ داود فزارني في البيت رفقة مرافقه مصطفى شريفي، وكان معي في البيت الأخوان عبد العزيز بن عبد الله أبوبكر وأخوه محمد، جاءا ليعوداني، فكانت لهم فرصة ليلتقوا بالضّيف الكريم, فكانت لنا جلسة إيمانية حميمية طيّبة، حدّثنا فيها الأستاذ عن أوضاع المسلمين في نيجيريا، وعن نشاط الجماعة التي يرأسها. هذه الجماعة التي تأسّست سنة 1994م. لها اعتماد من الدّولة، تقوم برعابة الأيتام، وتعليم الدّين والدّعوة في سبل الله، وتقوم بتحصين الشّباب من أخطار التّنصير المستفحل في البلاد. تقوم بعقد حلقات العلم في المساجد، ولكنَّها قليلة (حلقة في الأسيوع)؛ بسبب عدم وجود الهياكل لتي تتولّى هذا، والجماعة تسعى وترجو أن تتوفّر على هذه الهياكل لتضاعف من هذه الحلقات والدّروس... يتميّز فكر الجماعة بالاعتدال والوسطية والواقعية في الحركة والنّشاط، تحارب الفكر المتطرّف، والعنف والتشدّد والتّعصّب. تسعى إلى توطيد العلاقة مع الجهات الفاعلة في حقل الدّعوة في العالم. تحرص على الارتباط بالجمعيات التي تنشر الفكر الأصيل وتنأى عن أسلوب إقصاء الآخر، وتؤمن بالوحدة بين المسلمين، تتوخّى منهج التّعامل مع كلّ المدارس الإسلامية ؛ لذا رغب الأستاذ داود في عقد روابط مع جمعية التّراث، والإفادة من منشوراتها، فكان حريصًا على الاطّلاع على تجربتها في مجال خدمة الفكر الإسلامي، وطبع الكتب، وخدمة الثّقافة بصفة عامّة...
حدّثنا في الجلسة عن الصّعوبات التي يواجهها في تنفيذ مشروعاته مع زملائه، التي هي ناتجة – في عمومها – من قلّة الإمكانات، ومن قلّة الإطارات التي تخدم الفكر الإسلامي، ومن فقر الشّعب الذي يقع فريسة في أيدي من يقدّم له العون ليضمّه إلى صفّه، وبخاصة في الجانب الفكري والدّيني. في مقابل نقص المادة في أيدي المسلمين، ومن مزاحمة التّيّارات غير الإسلامية لعملهم في الميدان، وسيطرة المسيحيين على دواليب الحياة في كثير من جهات نيجيريا؛ رغم أنّ المسلمين يمثّلون الأغلبية. يحدث هذا كثيرًا في جنوب البلاد، ذات الأغلبية المسيحية، التي ينشط فيها، مع العلم أنّ مقرّ الجماعة هو مدينة ( IWO ) جنوب نيجيريا، هي تبعد عن العاصمة (أبوجا) بألف كلم. لكنّها تفتقر إلى الوسائل التي تنهض بالشّباب لتحصينه من التّنصير. المنخرطون في الجماعة حوالي عشرين ألف شخص.
طلب منّا الأستاذ مساعدته على تزويد الجماعة بالكتب لتنمية مكتبة الخلافة التي أسّسوها، التي هي من ضمن مشروعات الجماعة للنّهوض بثقافة الشّعب. في هذا الموضوع، قلنا له: نحن مستعدّون للمساعدة، بشرط أن نجد الوسيلة التي بها نتمكّن من إيصال الكتب إليكم. قلنا له: انظر مع سفارة بلدكم، علّها تساعدنا في ذلك، فقال: سأحاول الاتّصال بالسّفارة، وأطلب منها المساعدة، وقال: المفروض أن لا تمانع، ما دامت الجماعة معتمدة في البلاد من الجهات الرّسمية. نرجو أن يتمّ هذا.
تحدّثنا في موضوعات كثيرة، وعرضنا مشروعات كثيرة، منها القيام بزيارات متبادلة إلى البلدين، والمساعدة في إيجاد سبل لتكوين مكوّنين في تعليم اللّغة العربية، لتعليمها أبناء نيجيريا، وهو الجانب الذي يشكو منه الشّباب، وهو يعوقهم عن التزوّد بالثّقافة الإسلامية بشكل واسع.
قلنا له: لماذا لا يكون الاتّصال بمعهد العلوم الشّرعية بسلطنة عمان، ربّما تتحصّلون على منح لطلبتكم ليدرسوا الشّريعة الإسلامية؟ فقال: نفكّر في الموضوع.
تناولنا مجموعة من الأفكار، سعدنا بهذه الدّردشة معه، وفتحنا معه صفحة بيضاء فرح بها، ونحن بدورنا ارتحنا له ولنشاطه وجهاده مع إخوانه في الجماعة. من كلامه وتصريحاته، ومن خلال تقاريره ورجاءاته، أدركنا مسؤوليتنا جميعًا في القيام بواجب مساعدة هؤلاء الإخوة الذين يعانون ممّا أشار إليه، ووعينا درسنا في تسهيل مهمّة الجماعة في العمل الإسلامي؛ بالاجتهاد في تذليل الصّعاب قدر المستطاع، وأحسسنا بالفرصة المواتية للتّعريف بفكرنا وتراثنا في المناطق البعيدة عن موطنه الحالي. فقلنا: إنّ الحجّة قامت علينا أكثر من قبل، فلا يقبل التّراخي والتّقاعس والتّأخّر. فالله نسأل السّداد والعون والتّوفيق.
في نهاية الجلسة قدم الأخ ياسين بن محمد شريفي، مدير المتوسّطة العلمية بالقبّة بالعاصمة، وهو شقيق الأستاذ مصطفى شريفي، ليأخذ الضّيف إلى الفندق الذي نزل فيه، وهو في منطقة باب الزّوّار (إقامته فيه كانت على نفقة أحد المحسنين، جزاه الله خيرًا). بعد أذان المغرب غادر الإخوة المنزل قاصدين مسجد المنار بالحميز لأداء صلاة المغرب هناك، وللقيام بجولة في مكتبتها لشراء بعض الكتب. بعد أن تمّ الاتّفاق على برنامج الغد، وهو كالآتي: صباحًا زيارة المتربّصين ممّن يشتغلون بحفظ القرآن، المقيمين في منزل الفاضل عمر بن عيسى حمدي أبو اليقظان بِمدينة بابا علي، بضواحي العاصمة، نحت إشراف الأستاذ عيسى بن صالح عيسى المشرف على دار القرآن محمد البشير الإبراهيمي الكائنة بمدينة الدّار البيضاء، بضواحي العاصمة. وذلك للاطّلاع على نموذج من نماذج نشاط الإخوة في العاصمة، وفي مجال العناية بالقرآن: تلقينًا وتحفيظًا وأداءً... وبعدها زيارة معهد المناهج، ثمّ الأستاذ الدّكتور سعيد بويزري في مدينة تيزي وزو، المهتمّ بموضوع التّنصير، ومناهضته، للاطّلاع على جهوده في هذا المجال، وتبادل الآراء والتّجارب في الموضوع.
تمّ برنامج يوم الاثنين كما سطّر. يوم الثّلاثاء كانت للأستاذ داود حصّة في قناة القرآن، للتّعريف بجماعة المسلمين بنيجيريا، مع الأستاذ عيسى ميقاري. ستذاع لاحقًا. كما زار سفارة نيجيريا بالجزائر.
يوم الأربعاء كان في ضيافة إذاعة القرآن الكريم. المرافق دائمًا كان الأستاذ مصطفى شريفي. ثمّ زار الضّيف السيد أحمد الإبراهيمي (المشرف على باخرة الجزائر ضمن قافلة الحرية إلى غزة). وفي المساء، بعد صلاة العصر كان له لقاء في منزلنا مع مجموعة من الإخوة الكرام، رغبوا أن يحدّثهم عن أوضاع المسلمين في نيجيريا، وعن نشاط جماعة تعاون المسلمين التي يرأسها، وعن آفاق التّعاون بينهم وبين الجماعة.
الحاضرون الأساتذة والدّكاترة هم: صالح بن عبد الله أبو بكر، عبد العزيز بومريقة، الحاج بكير بن حمودة الحاج سعيد، مصطفى بن داود ابن صالح، بشير بن حمو جهلان، إبراهيم بن علي بولرواح، على بن أحمد خيّاط، عمر بن أحمد بوسعدة، محمد بن قاسم ناصر بوحجام، جابر بن محمد ناصر بوحجام، مازن بن محمد ناصر بوحجام، مصطفى بن محمد شريفي.
بعد تقدبم الأستاذ داود للحاضرين، والتّعريف بجماعة تعاون المسلمين في نيجيريا، بيّنا بداية الاتّصال به والتّعرّف عليه. البداية كانت بتصفّح الأستاذ داود موقع جمعية التّراث على الشّبكة العنكبوتية، واطّلاعه على منشوراتها، وإعجابه بها وبنشاط الجمعية. راسل الأستاذ داود الجمعية، وكان من استقبل الرّسالة الأستاذ مصطفى شريفي، المشرف على الموقع، الذي بعثه من جديد وجدّد فيه، وأعطى له دفعة قويّة، كان من ثمراتها التّعرّف على الشّيخ داود ملاسا.
تبودلت الرّسائل بينه وبين الجمعية، وكان يرسل المقالة تلو المقالة، يعرّف بجماعة تعاون المسلمين... حتّى كانت هذه الزّيارة المباركة التي نرجو بعدها خيرًا كثيرًا إن شاء الله.
ثمّ تناول الكلمة الأستاذ داود. كان من بين ما ذكره، تعرّض المسلمين للمضايقة من الدّاخل والخارج، ووجود محاولات مغرضة من الغرب وإسرائيل للقضاء على الإسلام في نيجيريا، وبخاصّة في الجنوب، الذي فيه أغلبية مسيحية، والغنيّة بالثّروات المعدنية. وقال: إنّنا نعاني من التّهميش ومن سلب حقوقنا؛ بسبب عدم وجود أعضاء أو رجال لنا في الإدارات العامّة، نتيجة عدم حملهم لمؤهّلات علمية ومهنيّة تمنح لهم فرص الالتحاق بالمناصب العليا المهمّة في البلاد. وهذا كان نتيجة سياسة التّعليم السّابقة التي كانت تفرض على من يريد الالتحاق بالمدرسة الحكومية أن يتنصّر أوّلا؛ لهذا امتنع الآباء من إرسال أبنائهم إلى المدارس، فبقوا محرومين من الشّهادات التي تفتح لهم آفاق ورود الإدارات. نأمل أن يصلح الوضع، بعد إلغاء هذا الشّرط الآن.
من بين المشاكل نقص الإطارات التي تنشط على مستوى الجماعة لتأطير نشاطنا، وتكوين أبنائنا وتوعية إخواننا، وبخاصة في مجال اللّغة العربية والتّأطير والتّسيير...
هناك حملات مكثّفة لتنصير الشّباب؛ تستغلّ فقرهم واحتياجهم، وقلّة الوسائل التي تضمن لهم الحياة الكريمة، ونقص الإمكانات في تحصينهم بالدّين وبالتّنشئة على النّمط الإسلامي... ضعف الإمكانات حرم الجماعة من مواصلة طبع المجلّة الوحيدة التي تصدرها، (هي تصدر باللّغة الإنكليزية)؛ لأنّهم لا يملكون مطبعة، والمطبعة ملك للمسيحيين، فرفضوا طبع هذه المجلّة؛ لأنّها لا تتماشى مع نهجهم وأفكارهم.
هذا جانب آخر تعاني منه الجماعة: الضّعف في التّكنولوجيا، ومنها الإنترنت، لهذا طلبوا المساعدة في هذا الجانب؛ بتكوين إطارات، وفتح مجال التّعاون لسدّ هذا النّقص.
نيجيريا ذات أغلبية مسلمة سكّانها حوالي مائه وأربعين مليون نسمة (140000000) في الجنوب حوالى ثلاثين مليون مسلم. لكنّهم ليسوا كلّهم فاعلين. فكثير من الإداريّين في نيجيريا مسلمون، لكنّهم لا يملكون الحماسة للإسلام فيخدمونه، بل إنّ بعضهم، وربّما أغلبهم علمانيّون في تصرّفاتهم وسلوكهم.
المشكلة الأخرى أنّ أغلبية النّاس في العالم الإسلامي لا يعرفون عن مسلمي الجنوب شيئًا، يطنّون أنّ المسلمين متمركزون في الشّمال فقط، وهؤلاء أحوالهم أقلّ سوءًا من أهل الجنوب. ويعرف النّاس أنّ نيجيريا بلد غنيّ بالثّروات، وأنّ أهمّها، وربّما أغلبها موجود في الجنوب، لهذا يعتقد هؤلاء أنّنا أغنياء، والحقيقة أنّنا عكس ذلك تمامًا، نعاني من الفقر الكبير. وهو من أسباب تأخّرنا، وتخلّفنا في القيام بشؤون الدّعوة والعمل التّربوي والتّعليمي والتّثقيفي... لهذا السّبب ولهذا الاعتبار فإنّ من أولوياتنا تأمين الجانب الاجتماعي في أهلينا، نرعى الأيتام، نقدّم المساعدات للمحتاجين، نتكفّل بالمدينين، نهتمّ بالأرامل؛ حتّى لا يقعوا فريسة في أيدي المنصّرين... هذه الأعمال تحتاج إلى أموال كثيرة، لا نملكها للقيام بها، فضلاً عن أن نتوسّع في المجالات الأخرى الضّرورية أيضًا. فنحن في حاجة إلى مساعدات مالية ومساندات معنوية لنقوم بما يضمن عدم انفلات أبنائنا منّا إلى ثقافات أخرى.
مشكلة أخرى تؤرّقنا تتمثّل في محاولة فصل الجنوب عن الشّمال، كما هو حاصل في السّودان؛ لاستغلال ثرواته، هذا المخطّط وراءه القوى الاستعمارية والغربية والصّهيونية. وهو واجهة أخرى نعمل فيها مع كلّ سكّان المنطقة للوقوف ضدّه.
إلى جانب تعرُّض النّاشطين في الحقل الإسلامي إلى الاغتيالات، أنا نفسي – يقول الأستاذ داود -: لست أدري كم هي الأيّام التي بقيت لي في هذه الحياة، فأنا مستهدف. نسأل الله السّلامة.
جبهات كثيرة تقف أمامنا، تتطلّب منّا اليقظة والعمل المستمرّ، والتّخطيط والتّدبير المحكم، وإعداد البرامج والمناهج الجيّدة، والاهتمام بفئة الشّباب، وولوج مجال الإدارة، والتّعاون مع كلّ النّاشطين في العالم الإسلامي، ومنهم أنتم الإخوة في الجزائر وفي جمعية التّراث... وسننتصر بإذن الله.
لمّا سئل عن المطلوب منّا عمله، وما هي المجالات التي ترونها جديرة بتقديم أيدي المساعدة فيها، قال: كلّ ما تستطيعون فعله قوموا به، فنحن في حاجة إلى كلّ شيء. لكنّ أهمّ ميدان هو ميدان التّكوين والإعداد وبناء الشّخصية الإسلامية. فكّروا معنا في طريقة تكوين الطّلبة في اللّغة العربية، وفي إعداد متقني تجويد القرآن، بعد حفظه، وفي تمكين أبنائنا من التّكنولوجيا، وبخاصّة استعمال الإنترنت بتقنيات عالية، أعينونا بتأسيس مطبعة؛ لتكون لنا الحريّة في طبع ما نريد، ولا نحرم من نشر المقالات والدّراسات. ساعدونا في تنمية مكتبة الخلافة بالكتب والإصدارات في كلّ مجالات المعرفة. لتتمكّن من نشر الوعي والثّقافة في أوساطنا، قوموا بزيارتنا في مقرّ نشاطنا لنستفيد من تجاربكم في التّسيير والتّنظيم والتّوجيه...
قدّمنا إليه مجموعة من الاقتراحات، وبعض العروض للمساعدة في تطوير العمل عندهم، وتعاهدنا على البقاء على اتّصال وتواصل؛ عسى الله أن يفرّج عنّا وعنهم هذه المضايقات، ويكفّ عنّا جميعا كيد الكائدين للإسلام. والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإنّ الله لمع المحسنين.
من جملة ما تطرّق له الأستاذ داود في حديثه الطّويل المفيد، معرفته بالمذهب الإباضي، ردًّا على سؤال من أحد الحاضرين. قال الأستاذ: قبل أن أتعرّف على جمعيّة التّراث، بواسطة موقعها على الإنترنت، كانت معرفتي بالمذهب الإباضي تحمل طابع النّفور منه؛ لأنّ المعلومات التي قدّمت إلينا عنه: أنّهم بعيدون عن الإسلام، مثلا قالوا لنا: إنّ أتباعه لا يصلّون، وقرآنهم يختلف عن قرآن المسلمين. فقلت: لماذا لا أزور الجماعة وأتعرّف على هذا المذهب عن قرب. فلمّا جئت إلى الجزائر، وجلست مع الإخوة، وصلّيت في مسجدكم بالحميز، وزرت مراكز لتحفيظ القرآن، وجدت أنّ ما قيل عنهم خطأ، لا أساس له من الصّحّة. فقلت في نفسي: هذه هي الصّلاة التي نصلّيها، وهذا هو القرآن الذي نتلوه... فأين الفرق؟ فأنا سأواصل التّعريف بكم، زوّدونا بمنشوراتكم، وزورونا وضاعفوا التّواصل معنا، فسيكون ذلك عونًا على تصحيح الأخطاء وتقديم الحقيقة للنّاس.
هذه إحدى ثمرات الاحتكاك والاتّصال والتّواصل، ونشر الفكر وبثّ روح التّعاون بين أبناء الأمّة الإسلامية. فعن طريق موقع جمعية التّراث كان كلّ هذا الخير، وكان هذا التّعارف والعمل على خدمة الفكر الإسلامي والدّعوة الإسلامية.
بعد المغرب من يوم الأربعاء كان لقاء الأستاذ داود ومرافقه الوفيّ مصطفى مع الأستاذ فريد شكيرو، رئيس جمعية تدكلي التي تقوم بمناهضة التّنصير في الجزائر العاصمة، في منطقة برج الكيفان. تمّ الّلقاء في دار القرآن الشّيخ محمد البشير الإبراهيمي بالدّار البيضاء.
 
وكان من بين ما اتُّفق عليه ترجمة كتاب كنت نصرانيا إلى اللّغة الإنكليزية، وتوفيره للإخوة في جماعة تعاون المسلمين بنيجيريا، والتبرّع بتصميم موقع في الشّبكة العنكبوتية للجماعة، وإرسال شخص إلى الجماعة في مقرّ نشاطها على نفقة جمعية الأستاذ شكيرو، يقوم بهذا العمل وبأعمال أخرى، تدخل في إطار محاربة التّنصير والتّكوين، وغيرها من الخطوات العملية في التّعاون في العمل الإسلامي. وأهدى له الأستاذ شكيرو عدة نسخ من الكتاب المذكور.
طلب منّا له ولإخوانه الدّعاء بالتّوفيق والنّجاح وكفّ الشّرور عنهم. ودّعه الحاضرون بالدّعاء لهم بأن ينصرهم الله في أعمالهم ومشروعاتهم، وقالوا لهم: أنتم في جهاد، وأمامكم تحدّيات كثيرة ومصاعب جمّة، فاثبتوا واستعينوا بالله ونحن معكم، نقدّم لكم ما نستطيع إن شاء الله.
غادر الأستاذ داود عمران ملاسا الجزائر عائدًا إلى بلاده سالمًا غانمًا إن شاء الله، ومعه مجموعة أفكار واقتراحات وكتب هدية من جمعية التّراث، ومركب المنار، وجمعية تدكلي.
هذه الزّيارة التّاريخية، وهذه اللّقاءات الإيمانية مع الأستاذ داود عمران ملاسا، وهذه الجهود التي تبذلها الجماعة في نيجيريا في سبيل خدمة الدّعوة الإسلامية، وهذه التّحدّيات التي تواجهها في طريق عملها... تبيّن النّعم التي نحظى بها في وطننا، في حرية العمل، وفي توفّر الإمكانات، وجود مؤسّسات العمل والنّشاط وغيرها... التي يجب أن تستغلّ كما يجب، للظّفر بالمطلوب، وفي الوقت نفسه يبيّن ما سمعناه من الأستاذ داود مسؤوليتنا في القيام بواجبنا نحو إخواننا المسلمين المضطهدين في كلّ مكان، فلا يجوز التّأخّر والتّراخي والتّقاعس، ويحرم التّخاذل والتّخلّي عن الواجب والفرار من الزّحف... والله الهادي إلى سواء السّبيل وإلى سبيل الرّشاد، وحسن العمل.
الجزائر يوم الخميس: 25 من رجب 1431هـ/ 08 من جويلية 2010م.
محمد بن قاسم ناصر بوحجام

اسم الكاتب