
نعم، عندما يرحلُ عن هذهِ الدنيا المخلصونَ الذين يُفنُون أنفسهم وأوقاتهم لأجلِ أمَّتهم، يبيعون كل غالٍ ورخيص لأجل إعلاء كلمة الحقِّ، لا تأخذهم في اللهِ لومة لائم، لا ينثنون ولا يتقهقرون أمام مغرياتِ الحياة وزينتها، ولا يتراجعون أمام حيطان الحياة مهما بلغ طولها وشهقاتها؛ لأن الإخلاص هو منهجهم، وطاعة الله ورضاه هو غايتهم، وبرحيلهم تتولَّدُ فجوة يصعب علينا رتقها وسد فراغها؛ لأن المخلصين نادرون في هذا الزمن المظلم.
نعم... عندما يرحل المخلصون تتوتر الأحداث، فكيف إنْ كان الذي رحل هو أحد العلماء؟ فالعلماء هم ملح الأرض إن فقدناهم فسدت الأرض، وعاش الناس في غياهب الضياع والحرمان.
قضَّ مضجَعَنا خبرُ رحيلِ العلامة الجزائري الكبير الشيخ الناصر بن محمد المرموري عليهِ رحمات الله، فلقد وصلنا الخبر أنه في الساعة الرابعة والنصف من عصر يوم الأحد بتاريخ العاشر من جمادى الثانية لعام 1432هـ الموافق له الخامس عشر من مايو لعام 2011م انتقل إلى رحمة الله الشيخ الناصر المرموري ليعتصر القلب حزنًا على رحيل شخصية أسهمت إلى آخر لحظات عمرها في خدمة الأمة والعمل على توحيد صفها، والعلو من شأنها فكريًّا في كل نواحي الحياة؛ فكم من مؤتمرٍ قد شاركَ فيه بالكلمةِ الطيِّبةِ، وكم من محاضرةٍ ألقاها حبًّا لهذه الأمة، وكم حديثٍ إذاعيٍّ أطرب سامعيهِ من تلك الحنجرة الطيبة التي لم تنطق إلا خيرا جواهر الكلام وأنصعه.
نعم رحلت يا سيدي ونحن عنك راضون، ولكننا في نفس الوقت محزونون على فقدانك جسدًا، أما روحك فهي هنا في آثارك التي تركتها، ومساهماتك التي قدمتها، وتواضعك الجمِّ الذي لا مثيل له أبدًا، وكانت النهاية في القرارة، هناك حيث منبع العلم في الجزائر، فكان للقرارة الشرف بأن تضمَّك في أحضانها محزونة على فقدك كأمٍّ مكلومة فقدت أعزَّ أبنائها.
اللهمَّ إنَّا لا نسألك ردَّ القضاء ولكنَّنا نسألك اللطف فيهِ، و لا نقول إلاَّ ما يرضي ربَّنا، إنَّ العين لتدمع، وإنَّ القلب ليجزع، وإنَّا على فراقك أيها الناصر لمحزنون... عليك سلام الله ما نبض قلب في هذا الكون.
ابنك:
نصر بن سعيد بن حارب المحاربي
الفرفارة - ولاية بدبد
15 جمادى الثانية 1432هـ / 20مايو 2011م
الفئة