ولاية الشلف تحيي ذكرى أمجادها العلمية: "ملتقى العمل الإصلاحي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، الشيخ الجيلالي الفارسي نموذجا".
نظمت شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وجمعية السلك الطبي للخواص بولاية الشلف، تحت الرعاية السامية لوالي الشلف السيد محمود جامع، بالمركز الثقافي الإسلامي بالشلف يومي 21/22 جمادى الثانية 1429هـ الموافق لـ : 25/26/جوان 2008م، ملتقى دراسيا حول العمل الإصلاحي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، احتفاء بالذكرى الرابعة عشر لوفاة العلامة المجاهد الشيخ الجيلالي الفارسي البودالي، الذي توفي 1994م، بولاية الشلف، وقد كان – رحمه الله – من التلاميذ المبرزين للإمام عبد الحميد بن باديس...

وكان فقيها متميزا ومتضلعا في العربية وآدابها، الأمر الذي جعل الإمام البشير الإبراهيمي يستدعيه -رحمه الله- للتدريس بمعهد عبد الحميد بن باديس، بقسنطينة بعد تأسيسه، وإلى الشيخ الجيلالي الفارسي يرجع الفضل في تأسيس مدرسة الخلدونية، التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بمدينة الشلف، وقد اضطهدته السلطات الفرنسية فتردد على عدد من سجونها، وبعد الاستقلال عمل بوزارة التربية والتعليم، ثم انتدب لوزارة الشؤون الدينية حيث جمع بين إدارة المعهد الإسلامي والإشراف على القطاع الديني، بالغرب الجزائري.

بعد الاستماع لآيات من الذكر الحكيم والنشيد الوطني الرسمي، بحضور السيد ممثل الوالي ورئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية الشلف، والكلمة الترحيبية للسيد محمد بوزيان عضو المجلس الوطني لجمعية العلماء التي شكر فيها للسيد الوالي رعايته السامية للملتقى، ورحب فيها بسماحة الشيخ عبد الرحمن شيبان الرئيس الحالي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين والوفد المرافق له، من أعضاء المكتب الوطني والشيوخ والعلماء، وتجشمه مشاق السفر على رغم بعد الشقة وكبر السن.
تناول الكلمة رئيس شعبة جمعية العلماء بالشلف الأستاذ قرناش أحمد، الذي ركزها حول الشيخ الجيلالي الفارسي وما قدمه لولاية الشلف من خدمات تربوية تعليمية، ودينية، شملت جميع أبنائها ومواطنيها، مبينا أنه كان يخلف الإمام ابن باديس في حلقات درسه بقسنطينة، ذاكرا في الوقت ذاته أنه شارك بفعالية في تعبئة شباب المنطقة لصالح الثورة التحريرية المباركة، لينتهي في ختام حديثه إلى أن الشيخ الجيلالي الفارسي ما كان فيلسوفا ولا شاعرا ولا عاشقا، ولكنه كان وارثا من ورثة الأنبياء ممن لا يرون الحياة إلا جهادا وانتصارا، بدليل أن مرضه وكف بصره، لم يقعداه عن مواصلة نشاطه الدعوي والإصلاحي، وأنه بذلك حظي بتقدير رجالات الجزائر وشخصياتها المميزة، حيث توافدت عليه في بيته بعد أن أقعده المرض فألزمه الفراش.
 ومن أولئك الرجال والشخصيات التي قدرته حق قدره فخامة رئيس الجمهورية الأسبق السيد أحمد بن بلة، ورئيس حركة مجتمع السلم السيد محفوظ نحناح رحمه الله، ثم أحيلت الكلمة للسيد نائب رئيس شعبة جمعية العلماء بالشلف فأشار إلى أن الملتقى يتزامن مع مرور الذكرى الرابعة عشر لوفاة العلامة الجيلالي الفارسي –رحمه الله – وأنه حقيق بالتذكر إذ أنه كرس حياته كلها متناسيا نفسه حتى بعد أن أقعده المرض؛ لِبَثِّ الفكر الإصلاحي بتربية النشء ومحاربة الآفات وتنوير العقول.
ثم تناول الكلمة مدير الشؤون الدينية الذي استهل حديثه بتبرير تخلف الوالي عن حضور افتتاح الملتقى لارتباطه ببرنامج سابق تعذر عليه التحلل منه، وبعد ترحيبه بالحضور وفي طليعتهم سماحة الشيخ عبد الرحمن شيبان، أشاد بجهود العلماء في بعث نهضة الأمة وإحيائها ممثلا لذلك بجهود الإمام عبد الحميد بن باديس ورفاقه المصلحين، ثم أوضح أنه من شأن الملتقى أن يلقي الضوء على تلك الجهود ويعرف برجالها والظروف التي كانوا يعملون فيها مما يحفز شبابنا ليكونوا في مستوى التحديات التي تفرض عليهم، وأن الملتقى يساعد على وصل الحاضر بالماضي فيعطي مرتكزا للانطلاق نحو مستقبل صالح تصبو إليه أمتنا.
وبعده مباشرة تناول السيد حيرش بن عودة عضو المكتب الوطني والمراقب العام لغرب الوطن فنبه في كلمة كانت آية في الفصاحة والبلاغة إلى ضرورة استخلاص العبر والمعاني التي يعبر عنها الملتقى والتي لخصها في معان هي:
-      أثر الإحسان في تخليد ذكر المرء.
-      الذكر الطيب هو بمثابة عمر ثان.
-      حاجة المجتمع إلى مرجعية يلجأ إليها ويستعين بها في مواجهة النوازل والملمات.
ثم عرج بحديثه على جهود الحركة الإصلاحية في مقاومة الاحتلال وما تعرضت له الجمعية بعد الاستقلال من وقف نشاطها وما كان لذلك أثر سيئ على الجزائر شعبا ودولة، وعرض بعد ذلك لما حققه المؤتمر الثالث لجمعية العلماء الذي عقد بزرالدة يومي 5، 6 جوان 2008م، من نجاح باهر وما ينتظر من مجلسها ومكتبها الوطني من أعمال سيكون لها الأثر المحمود في خدمة الأمة والوطن.
ثم أحيلت الكلمة إلى سماحة الشيخ عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فاستهل حديثه بالإشادة بمبادرة الشعبة على عقد هذا الملتقى وشكر للسيد الوالي تفضله برعايته السامية وبين أهمية العناية برجال الأمة وبعث تاريخهم والعناية بدراسة آثارهم وتأكيدا لذلك، عرض بالحديث للمنهج الذي اعتمده الإمام ابن باديس في إحياء الأمة واستنهاضها وما اتسم به من شمولية جعلته يغطي جوانب الحياة كلها، ويؤثر في شرائح المجتمع جميعها فأنشأ المدارس للصغار والأندية للشباب، والمساجد للرجال والنساء واعتنى بالتربية الدينية، والأخلاقية كما اهتم بالتربية البدنية والجمالية مثل عنايته بالتربية الاجتماعية والسياسية، وأنه كان أول من دعا صراحة للكفاح المسلح علنا ووضع منهجا له كما يشهد بذلك نشيده الخالد "شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب".
ليخلص سماحته بعد ذلك إلى أن حياة الأمة بعلمائها وأنه لذلك وجبت العناية بتاريخهم وآثارهم وتعريف الناشئة بهم حتى يتأسوا بهم ويسيروا على نهجهم، وبذلك يتمكنون من خدمة الجزائر وخدمة سائر قضايا الأمة العربية والإسلامية خاصة وقضايا الإنسانية العادلة عامة، مبينا أن تعرف الناشئة على جهود أولئك الرجال والظروف التي كانوا يعملون فيها من شأنه أن يشحذ هممهم، ويمدهم بالقوة على مواجهة ما تفرضه الدولة الصهيونية بدعم من الطغيان الأمريكي على أمتنا من هوان وإذلال، وبعد أن رفعت الجلسة لسبعة دقائق انطلقت أشغال الملتقى تحت إشراف جمهرة من الدكاترة الحاضرين، فأحسنوا إدارة جلساتها، وقد أفاد الأساتذة المحاضرون الجمهور بمحاضراتهم التي كشفت للحاضرين عن فلسفة الإصلاح ومناهجه وغاياته وأهدافه، كما عرضوا الجهود الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله وما ميز فكره، والنتائج التي أثمرها بالإضافة إلى تسليط الضوء على مساهمات الشيخ الجيلالي الفارسي في الحركة الإصلاحية وجهودها، وسنبين ذلك بتفصيل أكثر في أعدادنا القادمة –إن شاء الله- .
وقد انتهت أشغال الملتقى في حدود الساعة الواحدة من يوم الخميس 22 جمادى الثانية 1429هـ/ الموافق لـ 26/06/2008م، وقد حضر اختتامه السيد الوالي محمود جامع الذي ألقى بالمناسبة كلمة هامة أشاد فيها بالمبادرة وحي فيها سماحة الشيخ عبد الرحمن شيبان والوفد المرافق له من أعضاء المكتب الوطني والشيوخ والعلماء وضيوف الملتقى، ودعا فيها إلى مواصلة الجهود الإصلاحية خدمة للأمة والوطن، وبعد الاستماع إلى آيات بينات تلاها الإمام المقري الشاب عبد الكريم حمداش انصرف الحضور إلى مأدبة الغداء التي أقامها على شرفهم السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني: محمد كريم دزيري بإقامة دار البلدية، ليعود بعد ذلك كل إلى موطنه حاملا في نفسه مشاعر العرفان والحب والتقدير لأهل الشلف مسؤولين ومواطنين، راجيا أن يبارك الله جهودهم خدمة للإسلام والعربية وأمن وسلامة الشلف خاصة والوطن الحبيب عامة.

المصدر: موقع جريدة البصائر، التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين

الاثنين 27 جمادى الثاني/ 30 جوان 2008 - العدد: 398

اسم الكاتب